الله جارك إن دمعيَ جاري - ابن نباتة المصري

الله جارك إن دمعيَ جاري
يا موحشَ الأوطان والأوطار

لما سكنت من التراب حديقة
فاضت عليك العينُ بالأنهار

شتان ما حالي وحالك أنت في
غرفِ الجنان ومهجتي في النار

خفّ النجا بك يا بنيّ الى السرى
فسبقتني وثقلتُ بالأوزار

ليت الردى إذ لم يدعك أهاب بي
حتى ندوم معاً على مضمار

ليت القضا الجاري تمهل ورده
حتى حسبت عواقب الإصدار

ما كنت إلا مثل لمحة بارق
ولي وأغرى الجفن بالإمطار

أبكيك مابكت الحمامُ هديلها
وأحنّ ما حنت الى الأوكار

أبكي بمحمرّ الدموع وانما
تبكي العيون نظيرها بنضار

قالوا صغيراً قلت إنّ وربما
كانت به الحسرات غير صغار

وأحقّ بالأحزان ماض لم يسيء
بيدٍ ولا لسنٍ ولا إضمار

نائي اللقا وحماه أقرب مطرحا
يا بعد مجتمع وقرب مزار

لهفي لغصن راقني بنباته
لو أمهلته التربُ للإثمار

لهفي لجوهرة ٍ خفت فكأنني
حجبتها من أدمعي ببحار

لهفي لسار حار فيه تجلدي
واحيرتي بالكوكب السيار

سكن الثرى فكأنه سكن الحشا
من فرط ما شغلت به أفكاري

أعزز عليّ بأنَ ضيف مسامعي
لم يحظَ من ذاك اللسان بقاري

أعزز عليّ بأن رحلت ولم تخض
أقدام فكرك أبحر الأشعار

أعزز عليّ بأن رفقت على الردى
وعليك من دمعي كدرّ نثار

أبنيّ ان تكسَ التراب فانه
غايات أجمعنا وليس بعار

مافي زمانك ما يسرّ مؤملاً
فاذهب كما ذهب الخيال الساري

لو أن أخباري اليك توصلت
لبكيت في الجنات من أخباري

أحزان مدّكرٍ ووحشة ُ مفردٍ أنبيّ اني قد كنزتك في الثرى فانفع أباك بساعة الإقتار
ومقام مضيعة وذلّ جوارسقط بيت ص

أبنيّ قد وقفت عليّ حوادثٌ
فوقفنَ من طلل على آثار

ومضى البياض من الحياة وطيبها
لكنها أبقته فوق عذاري

نمْ وادعاً فلقد تقرح ناظري
سهراً ونامت أعينُ السمار

أرعى الدّجى وكأنّ ذيل ظلامه
متشبثٌ بالنجم في مسمار

خلع الصباح على المجرة سجفه
أم قسمت شمس النهار دراري

أم غاب مع طفل أخيرُ دجنتي
لا كوكبي فيها ولا أسحاري

تباً لعادية الزمان على الفتى
فلقد حذرت وما أفاد حذاري

وحويت ديناراً لوجهك فانتحى
صرف الزمان فراح بالدينار

أبنيّ ان تبعد فان مدى اللقا
بيني وبينك مسرعُ التيار

ان تسقني في الحشر شربة كوثرٍ
فلقد سقتك مدامعي بغزار

كيف الحياة وقد دفنت جوانحي
ما بين أنجادٍ إلى أغوار

وحوى نبيّ تراب مصر وجلق
كالغيم مرتكناً على أقمار

طرقت على تلك النفوس طوارق
وطرت على تلك الجسوم طواري

وبدت لدى البيدا مطي قبورهم
علماً بأنهم على أسفار

قسماً بمن جعل الفناء مسافة
إنا على خطرٍ من الأخطار

قل للذين تقدمت أمثالهم
أين الفرار ولات حين فرار

ما بين أشهبَ للظلام معاود
ركضاً وأدهم للدجى كرار

يطأ الصغير ومن يعمر يلتحق
وعليه من شيبٍ كنقع غبار

مالي وعتب الشهب في تقديرها
ولقد تصاب الشهب بالأقدار

لاعقرب الفلك اللسوب من الردى
ينجو ولا أسد البروج الضاري

يرمي الهلال بقوسه أرواحنا
ولقد يصاب القوس بالأوتار

كتب الفنآء على الشواهد حجة
غنيت عن الأقرار والانكار

فلتظهر الفطن الثواقب عجزها
فظهوره سر من الاسرار

وليصطبر متفجع فلربما
فقد المنى ومثوبة الصبّار

أين الملوك الرافلون الى العلى
عثروا الى الأجداث أيّ عثار

كانوا جبالاً لا ترام فأصبحوا
بيد الردى حفنات تربٍ هار

أينَ الكماة ُ إذ العجاجة أظلمت
قدحوا القسيّ وناضلوا بشرار

سلموا على عطب الوغى ودجى بهم
داجي المنون الى محل بوار

أين الأصاغر في المهود كأنما
ضمت كمائمها على أزهار

خلط الحمام عظامهم ولحومهم
حتى تساوى الدرّ بالاحجار

فلئن صبرت ففي الأولى متصبرٌ
ولئن بدا جزعي فعن أعذار

درت عليك من الغمام مراضعٌ
وتكنفتك من النجوم جوار

تسقي ثراك وليس ذاك بنافعي
لكن أغالط مهجتي وأداري