ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ - ابن هانئ الأندلسي

ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ
فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ

و كأنّما أنتَ النبيُّ محمّدٌ
وكأنّما أنصاركَ الانصارُ

أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرنَا بهِ
في كُتْبِها الأحبارُ والأخبارُ

هذا إمامُ المتَّقينَ ومنْ بهِ
قد دُوِّخَ الطُّغيانُ والكُفّار

هذا الذي ترجى النجاة ُ بحبِّهِ
و به يحطُّ الإصرُ والأوزار

هذا الذي تجدي شفاعته غداً
وتفجَّرَتْ وتدفّقَتْ أنهار

من آل أحمدَ كلَّ فخرٍ لم يكنْ
يُنْمَى إليهم ليس فيه فَخار

كالبدر تحتَ غمامة ٍ من قسطل
ضَحيْانُ لا يُخفيهِ عنك سَرار

في جحفلٍ هتمَ الثنايا وقعه
كالبحر فهو غُطامِطٌ زَخّار

غمرَ الرِّعانَ الباذخات وأغرقَ
الُقنَنَ المُنيفة َ ذلك التَّيّار

فالسهْلُ يَمٌّ والجِبالُ بحار

لله غزْوَتُهم غداة َ فراقسٍ
وقد استُشِبَّتْ للكريهة ِ نار

و المستظلُّ سماؤهُ من عثيرٍ
فيها الكواكبُ لهذمٌ وغرار

وكأنَّ غَيضاتِ الرِّماحِ حدائقٌ
لُمَعُ الأسِنّة ِ بينها أزهار

و ثمارها من عظلمٍ أو أيدعٍ
يَنَعٍ فليس لها سواه ثِمار

من كلِّ يعبوبٍ سبوحٍ سهلب
حَصُّ السيّاطِ عِنانُه الطيّار

لا يَطّبيهِ غيرُ كَبّة ِ مَعْرَكٍ
أو هَبْوَة ٌ من مَأقِطٍ ومَغار

سلطُ السنابك باللُّجين مخدَّمٌ
و أذيب منه على الأديم نضار

وكأنَّ وفْرَتَهُ غَدائِرُ غادَة ٍ
لم يلقها بؤسٌ ولا إقتار

وأحَمُّ حَلْكُوكٌ وأصفرُ فاقِعٌ
منها وأشهبُ أمهقٌ زَهّار

يَعقِلنَ ذا العُقّال عن غاياتِهِ
وتقولُ أن لن يخطُرَ الأخطار

مرّتْ لغايتها فلا والله ما
علقتْ بها في عدوها الأبصار

وجرَتَ فقلتُ أسابحٌ أم طائرٌ
هلاّ استشارَ لوقعهنّ غبار

من آلِ أعوجَ والصريح وداحسٍ
فيهنَّ منها ميسمٌ ونجار

وعلى مَطاها فِتيَأ شِيعيّة ٌ
ما إن لها إلاّ الوَلاءَ شِعار

مِنْ كلِّ أغلبَ باسلٍ مُتخَمِّطٍ
كاللَّيْثِ فهو لقِرنه هَصّار

قلقٌ إلى يوم الهياجِ مغامرٌ
دمُ كلَّ قيلٍ في ظباهُ جبار

إنْ تخْبُ نارُ الحرْب فهو بفتكِهِ
ميقادها مضرامها المغوار

فأداتهُ فضفاضة ٌ وتريكهٌ
و مثقَّفٌ ومهنَّدٌ بتّار

أسدٌ إذا زارت وجارَ ثعالبٍ
ما إنْ لَها إلاّ القلوبَ وِجار

حفّوا براياتِ المعزِّ ومن بهِ
تستبشرُالأملاكُ والأقطار

هل للدُّمستق بعد ذلك رَجْعَة ٌ
قُضِيَتْ بسيفك منهُم الأوطار

أضحوا حصيداً خامدين وأقفرتْ
عَرَصَاتُهُمْ وتعطّلَتْ آثار

كانت جِناناً أرضُهم معروشة ً
فأصابها من جيشه إعصار

أمْسَوا عشاءَ عروبة ٍ في غِبطة ٍ
فأناخَ بالموْتِ الزّؤامِ شِيار

واستقطع الخَفَقانُ حَبَّ قلوبهم
وجلا الشرورَ وحلّتِ الأدعار

صدعت جيوشك في العجاج وعانشتْ
ليلَ العجاجِ فوردها إصدار

ملأوا البلادَ رغائباً وكتائباً
و قواضباً وشوازباً إن ساروا

وعواطفاً وعوارفاً وقواصفاً
وخوائفاً يشتاقها المضمار

وجداولاًوأجادلاًومقاولاً
وعواملاً وذوابلاً واختاروا

عكسوا الزَّمانَ عواثنا ودواخناً
فالصُّبحُ ليلٌ والظّلام نهار

سفروا فاخلتْ بالشموس جباههمْ
وتَمَعْجَرَتْ بغَمامها الأقمار

وهَمَوا نَدى ً فاستحيتِ الأمطار

وتَبَسَّموا فزها وأخصَبَ ما حِلٌ
وافتَّر في رَوضاتِه النُّوّار

و استبلوا فتخاضعَ الشُّمُّ الذُّرى
وسَطَوْا فذَلَّ الضّيغمُ الزَّأآر

أبناءَ فاطمَ هل لنا في حشرنا
لجأُ سواكم عاصم ومجار؟

أنتم أحِبّاءُ الإلهِ وآلُهُ
خُلفاؤهُ في أرضهِ الأبرار

أهلُ النبَوة ِ والرِّسالة ِ والهدى
في البيّناتِ وسادة ٌ أطهار

والوحيِ والتأويلِ والتَّحريمِ
والتَّحليلِ لا خُلْفٌ ولا إنكار

إن قيل من خيرُ البريّة لم يكنْ
إلاّ كمُ خلقٌ إليه يشار

لو تلمسونَ الصَّخرَ لانبجستْ بهِ

أو كان منكُمْ للرُّفاتِ مُخاطِبٌ
لبَّوا وظنّوا أنّه إنشار

أمُعِزَّ دينِ الله إنّ زمانَنا
بكَ فيه بأوٌ جلَّ واستكبار

ها إنّ مِصرَ غداة َ صرْتَ قَطينَها
أحرى لتحسدها بك الأقطار

والأرضُ كادت تفخَرُ السبْعَ العلى
لولا يظلُّكَ سقفها الموّار

و الدّهرُ لاذَ بحقوتيكَ وصرفه
و ملوكهُ وملائكٌ أطوار

والبحرُ والنِّينانُ شاهدة ٌ بكم
و الشَّامخاتُ الشُّمُّ والأحجار

والدَّوُّ والظُّلمانُ والذُّؤبان والـ
غزلانُ حتى خزنقٌ وفرار

شرُفت بك الآفاقُ وانقسمت بك الـ
أرزاقُ والآجالُ والأعمار

عطِرت بك الأفواه إذ عذبت لك الـ
ـأمواه حينَ صَفَتْ لك الأكدار

جلَّتْ صِفاتُكَ أن تُحَدَّ بمِقوَلٍ
ما يصنْعُ المِصْداقُ والمِكثار

و الله خصَّكَ بالقرانِ وفضله
واخجلتي ما تَبلُغُ الأشعار