قدحت في مزجها بالماء ناراً - عبد الغفار الأخرس

قدحت في مزجها بالماء ناراً
فأعادت ظلمة َ اللَّيل نهاراً

شمس راحٍ في الدجى يحملها
طلعة البدر إذا البدر استنارا

عُتِّقَتْ في الدَّنِّ حتى إنها
لتعي ما كان في الماضي وصارا

فسلوها كيف كانت قبلنا
عادٌ الأولى صغاراً وكباراً

أيّ نادٍ للهوى يومئذٍ
يوم نادينا إلى اللهو البدارا

وجلوناها عروساً طالما
حبيت من حبب المزج نثارا

وكسونا بالسَّنا جسم الدجى
وخلعنا في اللذاذات العذارا

وسعى ساقٍ بها تحسبهُ
غصناً يهدي إلينا الجلَّنارا

علَّم الغصن التثني والصّبا
طرب الأنفس والظبي النفارا

وبما فضِّل من بهجته
تفضل المرو على البيض العذارى

سمحٌ ممتنعٌ قيل له
أدرِ الكأسَ علينا فأدارا

فترى الناس سكارى في هوى
ذلك الساقي وما هم بسكارى

يا شبيه الورد والآس وما
أحسن التشبيه خداً وعزارا

بأبي أنت وإن جلّ أبي
عاطنيها مثل خديك احمرارا

واسقني من فيك عذباً سائغاً
إنَّ بي منك وما لسكر خمارا

بين ندمانٍ أراقوا دَمَها
بنتَ كرم تسلب الشيخ الوقارا

حنفاءٍ حللوا ما حرّمت
ورأوا في أخذها رأي النصارى

ركبوا لِلَّهو في مضماره
أشقراً يصدم أجراهم عثارا

وكميتاً ما جرت في حلبة
للوغى يوماً ولا شقت غبارا

فكأن الكأس فيما فعلتْ
أدركتْ عند عقول القوم ثارا

كلُّ مختال بها في عزَّة ٍ
قد مضى يسحب في الفخر الإزارا

وإذا ما عاودته نشوة ً
ألبسته تاج كسرى والسوارا

خفَّ بالراح فلو طار امرؤ
قبل هذا اليوم بالسراح لطارا

وسمرنا بالذي يطربنا
من حديث وشربناها عقارا

وتناشدنا على أقداحها
مِدَحاً تزهو نظاماً ونثارا

بأغرٍّ أبلج من هاشم
أبلجَ المحتد فرعاً ونجارا

تشرق الأقمار من غرَّته
فهو الشمسُ التي لا تتوارى

سرّ رمز المجد مبنى بيته
علم السؤدد سراً وجهارا

كالحيا المنصبِّ بل أندى يداً
والحسام العضب أو أمضى شفارا

تلك أيديه التي إحداهما
تورث اليمنَ وبالأخرى اليسارا

مستفاض الجود منهلّ الندى
يوم لا تلقى به إلاّ الأوارا

والقوافي الغرّ في أيامه
يجتنيها بأياديه ثمارا

في زمانٍ مذنبٍ لم يعتذر
بكريم لبني الفضل اعتذارا

ترك الدهر ذليلاً طائعاً
لمنيع من أعزّ الناس جارا

ولي الفخر بأني شاعر
لأناس لبسوا التقوى شعارا

هم أقاموا عَمَدَ الدين وهم
أوضحوا في الحق للخلق المنارا

كل حليْ من فخارٍ وعلى
كان حلياً من حلاهم مستعارا

في سبيل الله ما قد أنفقوا
من أيادٍ فأسالوها نضارا

أمَّة ٌ يستَنزَلُ الغيثُ بهم
وبهم تَستكشِف الناس الضرارا

فإذا استنجدهم كانوا ظبا
وإذا استمطرتهم كانوا قطارا

جبروا كل مهيض للعلى
وأنابوا الكفر ذلاً وانكسارا

أجَّجوا نيرانها يوم الوغى
بمواضيهم وإن كانوا بحارا

في مقام قَصُرَت فيه الخُطا
بالطَّويلات وما كنَّ قصارا

فعليهم صلوات أبداً
تتولاهم غدوّاً وابتكارا

أو لستَ الآن من بعدهم
قبساً من ذلك النور أنارا

طالما سيّرتها قافية ً
غرة لم تتخذ في الأرض دارا

حاملات مثل أرواح الصبا
من شذى مدحك شيحاً وعرارا

هذه أيام أنواء الحيا
إن أنواءَكَ ما زالت غزارا

فاسقني فيهن سحّاً غدقاً
أجلب العز واستقصي الفخارا

واتخذني لك ممَّن لم يجد
عنك في معترض المدح اصطبارا

وابق للعيد وحزْ في مثله
مفخراً يسمو وصيتاً مستطارا