أَبى الله إلاَّ أنْ تُعَزَّ وتُكْرَما - عبد الغفار الأخرس

أَبى الله إلاَّ أنْ تُعَزَّ وتُكْرَما
وإنَّك لم تبرح عزيزاً مكرّما

تذلّ لك الأبطال وهي عزيزة ٌ
إذا اتخدمت يمناك للبأس مخذما

ويا ربّ يوم مثل وجهك مشرقاً
لبست به ثوباً من النقع مظلما

وأبزغت من بيض السيوف أهلَّة ْ
وأطْلَعْتَ من زُرقِ الأسنّة أنجما

وقد ركِبَتْ أُسْد الشرى في عراصِه
من الخيل عقباناً على الموت حوّما

ولما رأَيتُ الموتَ قطَّب وجهه
وألفاك منه ضاحكاً مبتسّما

سَلَبْتَ به الأرواح قهراً وطالما
كسوتَ بقاع الأرض ثوباً معندما

أرى البصرة الفيحاء لولاك أصْبَحتْ
طلولاً عفتْ بالمفسدين وأرسما

وقالوا وما في القول لسامع
وإنْ جَدَعَ الصّدقُ الأُنوفَ وأرغما

حماها سليمان الزهير بسيفه
منيع الحمى لا يستباح له حمى

تحفّ به من أهلِ نجدٍ عصابة
يرون المنايا لا أباً لك مغنما

رماهم بعين العزِّ شيخٌ مقدَّمٌ
عليهمْ وما کختاروه إلاّ مقدّما

بصيرٌ بتدبير الأمور وعارف
عليمٌ فما يحتاج أنْ يتَعَلّما

أأبناءُ نجدٍ أَنْتُم جمرة الوغى
إذا اضطرمت نار الحروب تضرُّما

وفي العام ما شيدَّتُموها مبانياً
من المجد يأبى الله أنْ تَتَهدَّما

وما هي إلاَّ وقعة ٌ طار صيتها
وأَنْجَدَ في شرق البلاد وأَتْهما

رَفَعْتُم بها شأن المنيب وخضتُمُ
مع النقع بحراً بالصناديد قد طمى

غداة َ دعاكم أمرهُ فأجبتمُ
على الفور منكم طاعة ً وتكرّما

وجرَّدكم فيها لعمري صوارماً
إذا وصلتْ جمع العدو تصرّما

ومن لم يجردّ سيوفاًعلى العدى
نبا سيفه في كفّه وتثلّما

وإنَّ الذي يختار للحرب غيركم
وقد ظنَّ أنْ يُغنيه عنكم توهما

كمن راح يختار الضلال على الهدى
وعوِّض عن عين البصيرة بالعمى

ومن قال تعليلاً لعلّ وربّما
فماذا عسى تغني لعلّ وربما

عليكم إذا طاش الرجال سكينة
تزلزلُ رضوى أو تبيد يلملما

ولما لَقِيتُم من أَرعدْتُم لقاءَه
رَمَيْتُم به الأَهوال أبْعَدَ مُرتمى

صبرتم لها صبر الكرام ضراغماً
وأقتحمتموها المرهفات تقحمّا

وأوردتموها شرعة َ الموت منهلاً
تذيقُهمُ طعْم المنيّة علقما

وما خاب راجيكم ليومٍ عصبصبٍ
يريه الردى يوماً من الروع أيوما

وجرّدَكم لِلضَّرب سيفاً مهنّداً
وهزّكم للطعنِ رمحاً مقوّما

ومن ظنَّ أنَّ العزَّ في غير بأسكم
وهى عزُّه في زعمه وتندّما

وما العزّ إلاّ فيكم وعليكم
وما ينتمي إلاّ إليكم إذا انتمى

إذا ما قعدتم في الأمور وقمتمْ
عليها حُمِدْتُم قاعدين وقوّما

وما سُمِعت منكم قديماً وحادثاً
رواية من يروي الحديث تَوَهُّما

وإنْ قلتم قولاً وما انثنى
بكم عزمكم إنْ رام شيئاً وصمّما

ولما أتاكم بالأمان عدوّكم
وعاهدتموه أنْ يَعُودَ ويَسْلَما

وفيتم له بالعهد لم تعبأوا بمن
أشارَ إلى الغدر الكمين مجمجما

ولو مدّ من نأيته عنكم يداً
لعاد بحد السيف أجْدَعَ أجْذما

وفيما مضى يا قوم أكبر عبرة
ومن حقِّه إذ ذاك أنْ يترسَّما

أَيَحْسَبُ أنَّ الحال تُكْتَمُ دُونكم
وهيهات أَنَّ الأَمْرَ قد كان مبهما

فأَظْهَرَ مستوراً وأَبْرَزَ خافياً
وأَغَرَب عمّا في الضمير وتَرْجَما

أَمُتَّخِذَ البيض الصوارم للعلى
طريقاً وسمر الخطّ للمجد سلّما

نصرت بها هذا المنيب تَفَضّلاً
وأَجْريْتَ ما أَجْرَيْتَ منك تكرما

على غلمة في الناس لله درُّه
تصرّف فيها همّة وتقدّما

تأثَّل في أبطاله ورجاله
فلم يُغنِ سِحْرٌ غاب عنه مكتما

وقلَّبها ظهراً لبطن فلم يجد
نظيرك من قاد الخميس العرموما

هنالك وَلى الأَمْر من كان أهْلَه
فبخل في كل النفوس وعظما

وطال على تلك البغاة ببأْسِه
وحكّم فيهم سيفه فتحكما

وقد يدركُ الباغي النجاة إذا مضى
ولكن رأى التسليم للأَمْر أسْلَما

وما سبق الوالي المنيب بمثلها
وفاق ولاة الأمر ممن تقدَّما

سليمان ما أبقيت في القوس منزعاً
ولا تركت يمناك للبذل درهما

كشفت دجاها بالصوارم والقنا
وقد كان يلفى حالك اللون أسحما

فأصبحت في تاج الفخار متوَّجاً
وفي عمَّة المجد الأئيل معمّما

إليك أبا داود نزجي ركائباً
ضوامرَ قد غودرن جلداً وأعظما

رمتنا فكنّا بالسرى عن قسيها
وقد بريت من شدة السير أسهما

فأكرمتَ مثوانا ولم تر أعينٌ
من الناس أندى منك كفاً وأكرما

لأحظى إذا شاهدت وجهك بالمنى
وأشكر من نعماك الله أنعما

وأُهدي إلى علياك ما أستَقِلُّه
ولو أنَّني أهديتُ درّاً منظما

فحبُّك في قلبي وذكرك في فمي
ألذُّ منالماء الزلال على الظَّما