ما زلت أوَّلَ مُغْرَمٍ مفتونِ - عبد الغفار الأخرس

ما زلت أوَّلَ مُغْرَمٍ مفتونِ
فتكت به حَدَقُ الظباء العينِ

وجنتْ عليه بما جنته لواحظ
تركته منها في العذاب الهون

ماذا يقيك من الموائس بالقنا
إنْ طاعتك قدودها بغصون

وسطت عليك جفونها بصوارمٍ
ما أغمدت أمثالها بجفون

إنَّ العيون البابليَّة طالما
جاءت بسحر للعقول مبين

لانت معاطف من تحب وإن قسا
قلباً فلم يكُ وَصْلُه بمدين

لا زال تشكو قسوة من لين

ويلي من اللحظات ما لقتيلها
قَودٌ وليس أمينها بأمين

والمسعدون من الغرام بمعزل
عني فهل من مسعدٍ ومعين

ظعن الذين أحبّهم فتناهبت
مهج القلوب حواجب بعيون

وتركْنَ أرباب الرجال كأنما
شربت زعاف السم بالزرجون

ما إنْ أطلْتُ إلى الديار تلفّتي
إلاّ أطلْتُ تلفّتي وحنيني

ولقد وقفت على المنازل وقفة
فقضيت للأطلال فرض ديون

وجرت بذياك الوقوف مدامعي
ومرت لهاتيك الديار شؤوني

فسقى مصاب المزن كلّ عشية
عهداً يصوب عليه كل هتون

يا سعد قد نفرت أوانس ربرب
بنوى ً يشطّ به المزار شطوني

فاسعد أخاك على مساعدة الجوى
إنْ كان دينك في الصبابة ديني

كانت منازلنا منازل صبوة
وديار وح علاقة وفتون

تتلاعب الآرام في عرصاتها
فيجدّ بي تلفي وفرط شجوني

جمعت فكانت ثمَّ مجتمع الهوى
ظبي الكتس بها وليث عرين

أيام كنت أديرها يا قوتة
حمراء بين الورد والنسرين

والروض متفق المحاسن زهره
بعد اختلاف الشكل والتلوين

وتَفَنُّنُ الورقاء في أفنانها
ينبيك أنَّ الورق ذات فنون

والكأس تبسم في أكُفِّ سقاتها
عن در مبتسم الحباب ثمين

ضمنت لشاربها السرور فحبذا
ذاك الضمان لذلك المضمون

ومهفهفٍ ينشقّ في غسق الدجى
من ليل طرته صباح جبين

وأنا الطعين بسمهريّ قوامه
يا للرجال لصبّه المطعون

قد بعته روحي ولا عوضٌ لها
ورجعت عنه بصفقة المغبون

علم الضنين بوصله في صدّه
أنّي ببذل الروح غير ضنين

قارعت أيامي لعمرك جاهداً
حتى انتضيت لها حسام الدين

جرّدته عضباً يلوح يمانياً
جادت بصيقله يمين القين

فإذا ركنت إلى نجيب لم يكن
إلاّ إلى ذاك الجناب ركوني

أعلى مقامي في عليّ مقامه
فرأيت منزلة الكواكب دوني

وظفرت منه بما به كان الغنى
عن غيره في العزّ والتّمكين

وصددتُ عن قوم كأنَّ نوالهم
مال اليتيم وثروة ُ المسكين

فتكاثرت نعم عليَّ بفضله
من فضله وأقلّها يكفيني

السيّد السند الذي صدقت به
فيما تحدّث عن علاه ظنوني

يمحو ظلام الشك صبحُ يقينه
والشكُّ ينفيه ثبوت يقين

متيقظ الأفكار يدرك رأيه
ما لم يكن بالظنّ والتخمين

من أسرة ٍ رغموا الأنوف وأصحبوا نزيلهم
ونوالهم بالبر غير مصون

اللابسون من الفخار ملابساً
ومن الوقار سكينة بسكون

إنّ الذي تجبت به أمُّ العلى
ظفرت به في الأكرمين يميني

ما زلت في ودّيب له متمسّكاً
أبداً بحبل من علاه متين

أنفكُّ أقسم ما حييت أليَّة ً
بالله بل بالتين والزيتون

لولاه ما فارقت من فارقته
وهجرت ثمة صاحبي وخديني

ووجدت من شغفي إليه زيارتي
ضرباً من المفروض والمسنون

وحثثت يومئذٍ ركائبي التي
لفّت سهول فدافد بحزون

كم من يد بيضاء أنهلني بها
ما أنهلّ من وبل السحاب الجون

ورأيت من أخلاقه بوجوده
ما أبدع الخلاق بالتكوين

ولكم تجلّى بالمسّرة فانجلى
صدأ الهموم لقلبي المحزون

حيث السعادة والرئاسة والعلى
تبدو بطلعة وجهه الميمون

يا من جعلت لما يقول مسامعي
أصداف ذاك اللؤلؤ المكنون

إنّي أهشُّ إذا ذُكِرتُ فأجتلي
راحاً تسرُّ فؤاد كل حزين

وإذا صحوت ففي حديثك نشوتي
وإذا مَرِضتُ فأنت من يشفيني

بفكاهة تشفي الصدور وبهجة
قرَّت بها في الأنجبين عيوني

أطلقتُ ألسنة الثناء عليك في
ما أبدعته بأحسن التنظيم

إنْ دوَّنوا فيك المديح فإنّما
مدح الكرام أحقُّ بالتدوين

فاسلم ودم أبداً بأرغد عيشة
تبقى المدى في الحين بعد الحين