أتذكر أطلالاً تعفَّت وأرسما - عبد الغفار الأخرس

أتذكر أطلالاً تعفَّت وأرسما
بذات الفضا في الجزع من أيمن الحمى

منازل أحباب بها نزل الهوى
فلم يبق إلا مدنف القلب مغرما

عرفنا الهوى من أين يأتي لأهله
بها والغرام العامري من الدمى

لئن أصبحت تلك المنازل باللوى
قصارى أمانيَّ الهوى فلطالما

وقفت عليها والهوى يستفزُّني
فأرسلت فيها الدمع فذَّاً وتوأما

كأني على الجرعاء أوقفت عبرة
جرت بربوع المالكية عندما

وما أسأر البين المشتُّ بقية ً
من الدمع إلاَّ كان ممتزجاً دما

فأصبحت أستسقي السحاب لأجلها
وما بلّ وبل السحب من مثلها ظما

خليليَّ إن الحبَّ ما تعرفانه
خليليَّ لو شاهدتما لعلمتما

قفا بي على رسم لميّة دارس
لكي تعلما من لوعتي ما جهلتما

وإن لم تساعدني الجفون على البكا
بآثار ميٍّ فاسعداني أنتما

ومما شجاني في الدجنة بارق
بكيت له من لوعتي فتبسَّما

سرى موهناً والليل كالفرع فاحم
فقلت أهذا ثغر سعدى توهما

وأورى حشا الظلماء كالوجد في الحشا
وكالقلب يا ظمياء لما تضرما

وشوَّقني ثغراً ظمئت لورده
وهل أشتكي إلا إلى ورده الظما

شربت الحميّا واللمى منه مرة ً
فلم أدر ما فرق الحميَّا من اللمى

وعيشاً سلبناه بأسنمة النقا
وما كان ذاك العيش إلا منمنا

رعى الله أحباباً رعينا عهودهم
وعهداً وصلناه ولكن تصرما

وغانية من آل يعرب حكَّمت
هواها بقلبي ضلَّة ً فتحكما

أحَلَّت مهاة الأبرق الفرد في الهوى
دماً كان من قبل الغرام محرّما

وفي ذلك الوادي سوالب أنفسٍ
رمين بأحداق السوانح أسهما

وكم من فؤادٍ قد جرحن ولم نجد
لما جرحت سود النواظر مرهما

أرى البيض لا يرعين عهداً لعاشقٍ
وإن أوثق الصيبُّ العهود وأبرما

وفي الناس من إن تبتليه وَجَدته
ـ وقد كان شهداً في المذاقة ـ علقما

وإني نظرت الناس نظرة عارف
وأبصرتهم خَلقاً وخُلقاً وميسما

فما أبصرت عيني كمحمود ماجداً
ولا كشهاب الدين بالعلم معلما

من السادة الغرّ الميامين ينتمي
إلى خير خلق الله فرعاً ومنتمى

ولما تعالى بالفضائل رفعة
تخيلته يبغي العروج إلى السما

هو الصارم الماضي على كل ملحد
من الله لم يفلل ولن يتثلما

سل الفضل منه واسأل البرَّ تغتدي
بأفضل ما حدثت عن من تقدما

لقد ضاق صدر الدهر عن كتم فضله
فأظهره إذ كان سراً مكتما

بدت معجزات الحق حين ظهوره
فأعجز فيها المبسطين وأفحما

إذا المطْعن المقدام شامَ يَراعَه
لما ظنَّه إلاّ وشيجا مقوَّما

وينشق من ظلماء ليلِ مداده
صباح هدى لا يترك الليل مظلما

له الكتب ما أبقت منلالغي باقياً
ولا تركت أمراً من الدين مبهما

وما هو إلاّ رحمة الله للورى
به ينقذ الله الأنام من العمى

فلو حققت عين الحقيقة ذاته
لقلنا هو النور الذي قد تجسما

كريم فما أعطى ليمدح بالندى
ولكنه يعطي الجزيل تكرما

مواطر أيديه المواطر دونها
تهاطل إحساناً وتمطر أنعما

وهيهات يحكيك السحاب وإن همى
نوالاً. وفيض البحر علماً وإن طمى

نراك بعين النقد أفضل من نرى
ولم نرى أندى منك كفاً وأكرما

وأقسمت لو أثريتَ أو نلت ثروة
لما تركت جدواك في الأرض معدما

علومك ملا حيزت لشخص جميعها
فهل كان ذاك العلم منك تعلما

حويت علوم الدين علماً بأسرها
وأصبحت للعلم اللَّدُنيّ ملهما

تُشيد دين الله بالعلم والتقى
ولو لم يُشيَّده غلاك تهدّما

حميت حدود الله عن متجاوزٍ
فلم نخشَ من خرقٍ وأنت لها حمى

وإن الذي أعطاك ما أنت أهله
أنالَكَ شأناً لا يزال معظما

فنل أجر هذا الصّوم واهنأ بعيده
ورم مجدعاً أنف الحسود ومرغما

وإني متى أدع لمجدك بالبقا
دعوت لنفسي أن أعزَّ وأكرما

فلا زلت فخر المسلمين وعزها
ألا فليفاخر فيك من كان مسلما