مَن لِصَبٍّ مُسْتَطارِ القَلْب هائمْ - عبد الغفار الأخرس

مَن لِصَبٍّ مُسْتَطارِ القَلْب هائمْ
يشتكي المهجة َ من رمحٍ وصارمْ

عاقدَ الحبَّ على أنْ لا يرى
في التصابي غير محلول العزائم

إنّما تفتك في أحشائه
نظرات ليس ترقيها التمائم

رحمة للصبِّ ما يشكو إلى
راحمٍ يوماً وهل للصبّ راحم

يا خليليَّ کنصفاني من جوى ً
أنا نظلومٌ به الشوق ظالم

ما لهذا البرق يهفو وامضاً
بات يبكيني نجيعاً وهو باسم

ويثير الوجْدَ يوري زنده
فاحمَ الليل وفرع الليل فاحم

أذكرُ العيش وأيّام الحمى
ناعمات العيش بالبيض النواعم

يا سقى الله الحمى من موطن
يزأرُ الليث به والظبي باغم

كم وكم قد فتكتْ فکنتصرْت
أعينُ الغزلان بالأسد الضراغم

وكميٍّ حازمٍ أَصْبَحَ في
قبضة الحبِّ وما ثمَّة َ حازم

نام عنّي غافلاً عن كمدي
رب ساع ساهِر الطرف لنائم

ويمجُّ الشَّهدَ من ريقته
ولحظّي منه تجريع العلاقم

حاربتني الأعينُ النجلُ ومن
مُهْجَتي غُذُّوا ومن لي أَنْ تسالم

ما أحلَّ القتل إلاَّ عامداً
مستبيحٌ سيفُ عينيه المحارم

معجبٌ من حسنه مبتسمٌ
يودعُ اللؤلؤ هاتيك المباسم

قاتلي من غير ذنبٍ في الهوى
أنتَ في قتلي رعاك الله آثم

سفكت أحداقك اسودَ دمي
أينَ من أحداقك البيض الصوارم

فِعْلُ أَلحاظك في عُشّاقها
يتعّدى بشباها وهو لازم

لي على قدّك نوحٌ في الدجى
مثلما ناحت على الغصن الحمائم

ساغ ما جرَّعتني من غصَّة ٍ
غير أَنّي عن جنى ريقك صائم

فَضَحَ الحبُّ الهوى في أهْلِهِ
وبدا من كاتمٍ ما هو كاتم

لا أرى الله عذولي راحة ً
لامني فيك فما أُصغي للائم

وبلائي كلُّه من لائم
باتَ يلحو وحبيبٍ ولا يلائم

والهوى داء كمين في الحشا
ليت شعري ما لهذا الداء حاسم

كان لي صبرٌ فما دام وما
كان صبر الصبّ بعد الصدّ دائم

كيف يسلو ذاكرٌ عهد الهوى
جدَّدَ الذكر لعهد متقادم

عَجَباً للشَّوْق يبني ما بنى
يا ترى يهدمه من بعدُ هادم

وبصدري زفرة ٌ لو كشفت
للصَّبا يومئذٍ هَبَّت سمائم

غير أَنّي والأماني جمَّة
لا أبالي وأبو سلمان سالم

سيّدٌ أمَّا نداه فالحيا
مستهلٌّ من سَحابٍ متراكم

فهو للصّادي إذا بلَّ الصدى
مَوْرِدٌ عذبٌ وبحرٌ متلاطم

شِمْتُ منه البَرق عُلْويَّ السنا
مُؤْذِنُ العارضِ بالغيث لشائم

كسَحاب القطر إلاَّ أنَّه
يتبع الساجم منهلاً بساجم

إنَّ مَن يرويك عنه خبراً
لا كمن يرويك عن كعب وحاتم

عن رسول الله عن أبنائه
ما رَوَيْنا من أحاديث المكارم

صفوة الله من الخلق وهم
عالم المعروف والناس عوالم

هم هداة الخلق لولا جدُّهُم
وهداهم كانت الخلق بهائم

آلَ بيتٍ خُلِقوا مذ خُلِقوا
للعلى ركناً وللدين دعائم

فتحَ الله علينا بهمُ
في مفاتيح العطايا والخواتم

حبّذا نَجْلُ عليٍّ إنَّه
عبقُ الأخلاق عطريُّ النسائم

قال من أَبْصَرَه مستبشراً
هكذا فلْتَكُ أبناءُ الأكارم

وارثٌ بعد أبيه في العلى
من بني هاشم ما أَوْرَثَ هاشم

شرفٌ محضٌ ومجدٌ باذخ
أيُّ فرعٍ من فروع الفخر ناجم

يرتقي في كلّ يوم رفعة
في المعالي ليس ترقى بالسلالم

بأبي الأشراف عن بأس لهم
أعربت سمر القنا وهي أعاجم

وتوالت من يديهم أنعمٌ
فاز من كان لها عاش لائم

لي ولي منكم وأَنْتم أهْلُها
نعمٌ ترفعني فوق النعائم

فجزيتم سيّدي عن شاعرٍ
ناثرٍ فيكم مدى الدهر وناظم

مثلَ ما هَبَّتْ صَباً من حاجر
ترقص الأغصان منها بالكمائم

ولنعمائك فينا أثرٌ
إنَّ آثارك آثار الغمائم

هل درى السيّد فيما قد درى
أَمْ هو الآن بما أعْلَمُ عالم

إنَّ هندواتكم في كربة ٍ
ما له منها سواك اليوم عاصم

تابَ ممّا قد جنى من ذنبه
وعلى التوبة ِ قد أصبح نادم

ولهذا أنا بکستعطافكم
قارعٌ باللُّطف أبوابَ المراحم

إنْ تشأ أنقذته أوْ لا فلا
فَعلَى أيّهما أصبَحْتَ عازم

فتعطَّفْ سيّدي والطف به
وعليه إنَّه مولاي خادم

دُمْتَ لي ظلاً ظليلاً وله
وإنَّما ظلُّك للراجين دائم