عُيونَ الحَيَا جُوْدِي لِتُرْبَةِ يَثْربِ - عفيف الدين التلمساني

عُيونَ الحَيَا جُوْدِي لِتُرْبَةِ يَثْربِ
بدَمْعٍ هَتُونٍ وَدْقَهُ مُتَصَوِّبِ

وَعُودِي بِطِيبٍ مِنْ سَلاَمِيَ طِيبُهُ
نَسِيمُ الصِّبَا النَّجْدِيِّ يَا خَيْرَ طَيِّبِ

بِلاَدٌ بِهَا لِلْوَحْيِ مَرْبَاً وَمَرْبَعٌ
وَمَنْتَجَعُ الغُفْرَانِ عَنْ كُلِّ مُذْنِبِ

وَحَيْثُ الكَمِالُ الطَّلْقُ والمَرْكَز الذَّي
إِليْهِ انْتَهَى دَوْرُ المُحيِطِ المُكَوْكَبِ

أَفَاضَتُهُ أَنْوِارُ الغُيُوبِ عَلى الوَرَى
إفَاضَةَ وَهْبٍ خَارِجٍَ عنْ تَكَسُّبِ

فَأَخْبَرَ عَمَا غَابَ بِالشَّاهِدِ الذَّي
يُبَرْهِنُ بِالإِعْجَازِ فِي كُلِّ مَطْلَبِ

إذَا نَظَرَتْ عَيْنا بَصِيرَتِهِ إلىَ
حَقِيَقتِهِ المُثْلَى فأَحْسِنْ وَأَطْيِبِ

يَرَى بَرْزَخَ البَحْرَينِ كَوْناً مُكَوَّناً
وَمَطْلَعَهُ فِي حَدِّهِ المُتَرَتِّبِ

فَيَأْخُذُ مِنْ هَذَا لِهَذَا بِحَقِّهِ
عَلَى نِسْبَةٍ مَحْفُوظَةِ الأُمِّ وَالأَبِ

عَلَى يَدِّ مَعْنَاهُ يَمُرُّ وُجُوبُهُ
لإِمْكَانِهِ مَرَّ السَّحَابِ المُصَوِّبِ

فَيَقْبَلُ مِنْهُ قَابِلٌ حُكْمُ فَاعِلٍ
بِمَضْمُونِ مِيَراثِ الكَمَالِ المُهَذَّبِ

وَلَمْ يَكُ فِي هذَا التَّوُسُطِ مُثْبِتاً
عَلَى النَّاسِ حَقّاً أَوْ تَمَيُّزَ مَنْصِبِ

وُمَا ذَاكَ أَنْ لَيْسَ حَوْلٌ وَقُوَّةٌ
بِغَيْرِ الجَوَادِ المُطْلَقِ الجُودِ فَاعْجَبِ

وَلَكِنْ يَرَى إِلاَّ أَنَّ نُكْتَهَ قَلْبِهِ
أُزِيلَ بِهَا دَاعِي الهَوَى وَالتَّحَوُّبِ

فَهَذَا لَهُ مَعْنَى المَقَامِ مُغَيَّبٌ
وَلَمْ يَكُ عَنْهَا أَهْلُهُ بِمُغَيَّبِ

إِذَا صُفَّتِ الأَقْدَامُ مِنَّا وَأَمَّنَا
صَلاَةَ شُهُودٍ لاَ صَلاَةَ تَحَجُّبِ

مَضَى لَمْ يُعَقِّبْ دَانِياً مِنْ شُهُودِهِ
بِنَا وَمَضَيْنَا خَلْفَهُ لَمْ نُعَقِّبِ

أُولئكَ وُرَّاثُ النَّبِيِّ شَهَادَةً
وَغَيْباً وَلَيْسَ البَّرُ مِثْلَ المُقَرَّبِ

وَتِلْكَ سَبِيلٌ قَدْ دَعَا بِبَصِيرَةٍ
لَهَا ودَعَوْنَا كُلَّ شَرْقٍ وَمَغْرِبِ

فَذَلِكَ دَاعِي اللهِ بِالمَنْهَجِ الَّذي
بِهِ صُورَةُ التَّكْمِيلِ فِي كُلِّ مَذْهَبِ

شَرِيعَةُ حَقٍّ حَقُّ كُلِّ شَرِيعَةٍ
مَقامُ خُصُوصٍ عَنْ عُمُومٍ مُرَتَّبِ

مُشَاراً إليْهِ صُورَةً مِنْ جِهَاتِهَا
جَميعاً وَمَعْنىً مِنْ حَقَائِقِ غُيَّبِ