من أين للعارِضِ السَّاري تلهُّبُه - أبو الحسن الجرجاني

من أين للعارِضِ السَّاري تلهُّبُه
وكيفَ طَبَّق وَجهَ الأَرضِ صَيِّبُه

هل استعانَ جُفُوني فهيَ تُنجِدُهُ
أم استعارَ فُؤادي فهو يُلهبُهُ

بجانب الكرخ من بغدادَ لي سَكَنٌ
لولا التَجَمُّلُ ما أَنفَكُّ أَندبُهُ

وصاحبٍ ما صَحِبتُ الصَّبرَ مذ بَعُدت
ديارُهُ وأرِاني لستُ أَصحبُهُ

في كل يومٍ لعَيني ما يؤرِّقُها
من ذِكرِه ولقلَبي ما يُعَذِّبُه

ما زال يُبِعدُني عنه وأُتبِعُهُ
ويستمرُّ على ظُلمي وأعتبُهُ

حتى لَوَت لي النوى من طولِ جَفوِتهِ
وَسَهَّلت لي سبيلاً كنت أَرهبُهُ

وما البعادُ دَهَاني بل خَلائقُه
ولا الفراقُ شَجاني بل تجنُّبهُ

لو أن قلبي على ما فيه من جَزَعٍ
يَومَ النَّوَى بيدي ما ضاق مهرَبُه

إذاً لَجُدتُ به طوعاً بينهم
كي لا أكون برغمي حين أَسلبهُ

ما فائت بذَلَتهُ النَّفسُ طائعةً
كما تُمانع عنه ثم تُغلبُه

فتىً يَستَمدُّ البدرُ من فضلِ نورِه
ويُقسمُ أن يَرنُو إليه كواكبُهُ

فَحامت على هامِ العِداةِ سيوفُه
سوحَّت على أيدي العُفاةِ سحائبُه