أهاج لك الشوق القديم خباله - الفرزدق

أهاجَ لَكَ الشّوْقَ القَدِيمَ خَبالُهُ،
مَنَازِلُ بَيْنَ المُنْتَضَى فالمَصَانِعِ

عَفَتْ بَعدَ أسْرَابِ الخَليطِ وَقد ترَى
بِها بَقَراً حُوراً حِسانَ المَدامِعِ

يُرِينَ الصِّبَا أصْحابَهُ في خِلابَةٍ،
وَيَأبَيْنَ أنْ يَسْقينَهمْ بالشّرَائِعِ

إذا مَا أتَاهُنّ الحَبِيبُ رَشَفْنَهُ،
كرَشْفِ الهِجانِ الأدمِ ماءَ الوَقائعِ

يَكُنّ أحَادِيثَ الفُؤادِ نَهَارَهُ،
وَيَطْرُقْنَ بالأهْوَالِ عندَ المَضَاجعِ

إلَيْكَ ابنَ عَبدِ الله حَملّتُ حاجَتي
على ضُمرِ الأحقابِ خُوصِ المَدامعِ

نَوَاعِجَ، كُلّفْنَ الذّمِيلَ، فلم تزَلْ
مُقَلَّصَةً أنْضَاؤها كالشّرَاجِعِ

تَرَى الحاديَ العَجلانَ يُرْقِصُ خَلفها
وَهُنّ كحَفّانِ النّعامِ الخَوَاضِعِ

إذا نَكّبَتْ خُرْقاً من الأرْضِ قابلَتْ،
وَقَد زَالَ عَنْها، رَأسَ آخرَ، تابعِ

بَدَأنَ بهِ خُدْلَ العِظامِ، فُأُدْخِلَتْ
عَلَيْهِنّ أيّامُ العِتَاقِ النّزَائِعِ

جَهِيضَ فَلاةٍ أعْجَلَتْهُ تَمامَهُ
هَبُوعُ الضّحى خَطّارَةٌ أُمُّ رَابِعِ

تَظَلّ عِتاقُ الطّيرِ تَنْفي هَجِينَها
جُنُوحاً على جُثمان آخَرَ نَاصِعِ

وَما ساقَها من حاجَةٍ أجْحَفَتْ بهَا
إلَيْكَ، وَلا مِنْ قِلّةٍ في مُجاشِعِ

وَلَكِنّها اخْتَارَتْ بِلادَكَ رَغْبَةً
عَلى ما سِوَاها مِنْ ثَنايا المَطالِعِ

أتَيْنَاكَ زُوّاراً، وَوَفْداً، وَشَامَةً،
لخالك خالِ الصّدقِ مُجدٍ وَنافِعِ

إلى خَيْرِ مَسْؤولَينِ يُرْجَى نَداهُما
إذا اخْتيرَ الأفْوَاهِ قَبلَ الأصَابِعِ