الْقَنْطَرَةُ - عمارة بن صالح عبدالمالك

لَا يَسْتَوِي الْعَالِمُ الْفَهَّامُ وَ الْجَاهِلُ
وَ لَيْسَ يَبْلُغُ قَبْلَ الرَّاكِبِ الرَّاجِلُ

كُلُّ الْغِنَى أَنْ يَحُوزَ الْمَرْءُ مَعْرِفَةً
يَلْقَى لَدَيْهِ الْجَوَابَ الْأَفْحَمَ السَّائِلُ

ذُو مَنْطِقٍ كَانْبِلَاجِ الصُّبْحِ، ذُو عِبَرٍ
كَالدُّرِّ يَقْذِفُ سُيَّاحًا بِهِ السَّاحِلُ

إِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ دَوَّتْ بَلَاغَتُهُ
يَا مَرْحَبًا بِرُعُودٍ بَعْدَهَا الْهَاطِلُ

كَأَنَّ مِنْ شَفَتَيْهِ الشَّهْدَ مُنْسَكِبٌ
ذَيَّاكَ زُنْبُورَةٌ، ذَا نَحْلَةٌ عَاسِلُ

تَقُولُ فِي الْجِدِّ لَيْسَ الْهَزْلُ شِيمَتَهُ
هَيْهَاتَ فِي الْهَزْلِ يَأْتِي مِثْلَهُ الْهَازِلُ

طَلْقُ الْمُحَيَّا رَفِيعٌ فِي تَوَاضُعِهِ
صَافِي السَّرِيرَةِ شَهْمٌ طَيِّبٌ فَاضِلُ

فَذٌّ عَنِ الشَّرِّ وَ الْأَشْرَارِ مُبْتَعِدٌ
جَلْدٌ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ مُقْبِلٌ فَاعِلُ

يَجُودُ بِالْمَالِ فِي الْإِحْسَانِ يُنْفِقُهُ
وَ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْعِزَّةَ الْبَاذِلُ

تَبْلَى الْعِظَامُ وَ لَا يَبْلَى الْكَلَامُ إِذَا
أَنَارَ كَالشَّمْسِ قَوْمًا بَدْرُهُمْ آفِلُ

إِنَّ الْجَهُولَ إِذَا عَزَّتْ مَكَانَتُهُ
وَ الْتَفَّ مِنْ حَوْلِهِ الشَّيْطَانُ وَ الْبَاطِلُ

صَارَ الَّذِي الْحِلُّ وَ التَّحْرِيمُ فِي يَدِهِ
صَارَ الْإِمَامَ يُصَلِّي خَلْفَهُ الْوَاسِلُ

قِيقٌ تُرَائِيهِ بِالْأَقْوَالِ حَاشِيَةٌ
وَ حِقْدُهَا شَارِبٌ مِنْ قَلْبِهَا آكِلُ

فَظٌّ عَنِيدٌ سَخِيفُ الرَّأْيِ عَاجِزُهُ
إِنْ يَنْطِقِ انْفَضَّ عَنْهُ السَّامِعُ الْعَاقِلُ

رَعَاعَةٌ كَنَعَامٍ لَا احْتِلَامَ لَهُ
عَيْنٌ تَرَى وَ فُؤَادٌ مُغْمِضٌ غَافِلُ

قَدْ يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْ صُلْبِ الصُّخُورِ وَ قَدْ
تَخْضَرُّ بَعْدَ سِنِينَ الصَّاحَةُ الْمَاحِلُ

لَكِنْ أَخُو الْحُمْقِ بَاقٍ فِي حَمَاقَتِهِ
يُعْلِيهِ مَا جَاءَ إِلَّا قَدْرُهُ السَّافِلُ

الْمَرْءُ مِنْ أَصْغَرَيْهِ النَّاسُ تَعْرِفُهُ
قَلْبٌ شُجَاعٌ، لِسَانٌ بَارِعٌ جَازِلُ

وَ النّاسُ مِنْ غَيْرِمَا عِلْمٍ وَ لَا أَدَبٍ
نَخْلٌ صَرِيمٌ عَقِيمٌ مُفْلِسٌ عَاطِلُ

لَا خَيْرَ فِي أُمَّةٍ يَشْقَى مُعَلِّمُهَا
يَعْرَى وَ يَحْفَى وَ كُلٌّ لَابِسٌ نَاعِلُ

لَوْ كَانَ ذَا سُلْطَةٍ مَا كَانَ مُحْتَقَرًا
لَكِنَّ مُحْتَرِفَ الْفِكْرِ امْرُؤٌ فَاشِلُ

لَوْ كَانَ ذَا ثَرْوَةٍ مَا كُنْتَ تَحْسَبُهُ
سِمْسَارَ حَرْفٍ تَقَضَّى عَصْرُهُ الْفَاضِلُ

لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَكْتَافٌ مُفَلْطَحَةٌ
كَانَتْ حُوَيْجَاتُهُ تُقْضَى وَ لَا حَائِلُ

لَوْ كَانَ بَائِعَ حَلْوَى فِي مَحَلِّهِ أَوْ
مَسَّاحَ أَحْذِيَةٍ مَا لَامَهُ الْعَاذِلُ

أَوْ كَانَ كَالْآخَرِينَ الْمُخْطِئِينَ لَمَا
عُدَّتْ عَلَيْهِ الْخَطَايَا سَهْلُهَا قَاتِلُ

لَوْ لَا مِثَالِيَّةٌ عَمْيَاءُ يَتْبَعُهَا
نَالَ الْغِنَى؛ وَ سِوَاهُ مُرْتَشٍ نَائِلُ

أُعْطُوا الْمُعَلِّمَ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً
إِنَّ الْمُعَلِّمَ فِي إِمْلَاقِهِ وَاحِلُ

الدَّارُ خَالِيَةٌ إِنْ كَانَ يَمْلِكُهَا
أَصْلًا، وَ جَيْبُه فلْسٌ دَاخِلٌ رَاحِلُ

يَافُوخُهُ ابْيَضَّ كَالطُّبْشُورِ مِنْ قَلَقٍ
وَ الْجِسْمُ مِنْ نُقْصِ أَصْنَافِ الْغِذَا نَاحِلُ

لَا الْأَجْرُ يُطْعِمُ أَطْفَالًا وَ أُمَّهُمُ
أَوْ يَدْفَعُ الدَّاءَ؛ وَ هْوَ الْعَاشِقُ النَّازِلُ

إِبْنٌ يُنَادِيهِ: إِنَّ النَّعْلَ تُؤْلِمُنِي،
بَعْلٌ تُذِيقُهُ سُهْدًا أَنَّهَا حَامِلُ

وَ آخِرَ الشَّهْرِ تَأْتِيهِ الْمَنِيَّةُ إِذْ
تَأْتِي الْفَوَاتِيرُ تَتْرَى مِثْلَمَا الْوَابِلُ

لَنْ تَبْلُغَ الْعَلْيَ أَجْيَالٌ يُدَرِّسُهَا
وَ الْهَمُّ وَ الْغَمُّ أَطْنَانٌ لَهَا حَامِلُ

أَحْرَى بِهَذَا الْمُرَبِّي أَنْ يُعَادَ لَهُ
بَعْضُ اعْتِبَارٍ وَ بَعْضُ الْعِزَّةِ الزَّائِلُ