مقهى الحارة - عمارة بن صالح عبدالمالك

و لأني شاعرٌ صاحبُ شُهْرَهْ
جاءتِ الشّرطةُ للتّفتيشِ عنّي
دخلوا المقهى الّذي
آخذُ قهوايَ به كَّل مساءْ
فحصُوهُ جيّدًا
بِعُيونٍ ذاتِ خُبْثٍ و دهاءْ
فحصُوا النّاسَ جميعًا
يلعبونَ الدُّومِنو
لا يبالونَ بِمَنْ راحَ و جاءْ
كنتُ وحدِي
راكنا
أقرأُ أسبوعيّةً
يكتبُ فيها الأدباءُ الشّعراءْ
رُبّما قلتُ يريدونَ مكانًا
ليسَ في المقهى مكانٌ للبقاءْ
رُبّما قلتُ يريدونَ صديقًا
في المقاهِي عادةً
يتلاقَى الأصْدقاءْ
رُبّما قلتُ أَتَوْا
للبحثِ عن شخصٍ خطيٍر
لَا! فمقهى حارتِي
ليسَ يرتادُهُ إلّا الْبُسطاءْ
رَابني أمرُ الْخُطَى
قدْ نشأنا نحنُ في أوطانِنا
يقتلُنا الخوفُ مِنَ العَسْكرِ و البُوليسِ
مِثْلَ الفئرانِ الْجُبَناءْ
طلبُوا النّادلَ فاسْتبشرتُ خيًرا
و تنفّستُ لِفورِي الصُّعداءْ
قلتُ: همْ كالنّاسِ أيضًا!
يحتسونَ الشّايَ و القهوةَ
أوْ كوكا و بيبسِي
و سَيَمْضُونَ بُعَيْدَ الْإنتهاءْ
جَالَ طَرْفِي
في كرُوشٍ نُفِخَتْ
و النّادلُ المسكينُ عودٌ بينهمْ
كَبُرَتْ أحشاءُهم
مِنْ أكلِ سُحْتٍ و ارْتشاءْ
فجأةً؛
أومأَ النّادلُ بالإصبعِ نحوِي
فارتبكتُ ... و عرفتُ ...
أنّه حلَّ البَلاءْ
إنّ لي أمًّا تموتُ
حينما يلحقُنِي أيُّ بَلاءْ.
ادّنى الضّابطُ منّي
أحدقَ الأعوانُ بِي
و كأنّي مجرمٌ مقترفٌ ألفَ اعْتداءْ!
حدّقُوا في وَجْهيَ المْهمومِ
تحديقَ احْتقارٍ و عَداءْ
نطقَ الضّابطُ:
"ها أنت هنا يا ابن القحبه!"
طارَ عقلي مثلَ مجنونٍ
و فارتْ في شراييني الدّماءْ
لَمْ أشعرْ
إلّا و الضّابطُ النّذلُ على الأرضِ
طريحٌ .. هامدٌ كالأشياءْ
تذهبِ الدّنيا و ما فيها
إذا أكرمُ أمٍّ هكذَا
تُقْذَفُ مِنْ غيِر حَياءْ!
و هوَى أعوانُه فردًا عليْ
يلكمونْ ... يركلونْ
و كأني فاقدُ الحسِّ عديمُ الإشتكاءْ!
ختمُوا جسمي جميعًا
بنعالٍ صلبةٍ
لَمْ يتركوا
غيَر أنفاسِ الذّماءْ!
أحضرَ النّادلُ كأسًا
سَقَوِا الضّابطَ ماءً
فإذا الأمرُ بصفدِي
صادرٌ في كبرياءْ
لم تكنْ وا أسفي
ضربةً قاضيةً
تشفي غليلي من لئيم اللؤماءْ!
ثم سَاقوني إلى مركزِهم
مركزٌ للأمنِ
مَنْ يدخلُه ليسَ بآمنْ
مركزٌ للرّدعِ و التّحقيرِ
و التنكيلِ و التّجريدِ مِنْ كُلِّ الكَرامَاتْ.
ضيّفوني في ظلامٍ دامسٍ
أكثرَ من سبعينَ ساعهْ
لا أرى جنبي
سوى بيتِ الخلاءْ (الخِراء).
أخذوني في صُداعِي بعدَها
و استنطقوني
سألوا عن كل شيءٍ
منذ ميلادي
إلى يوم اقتيادي
حلّلوا ذاكرتي
عرفوا الماضيَ و الحاضرَ
و الآتِيَ أيضًا!
حمّلوني تُهمًا كبرى
كمثلِ الخائنينَ العُملاءْ
فأنا مَنْ أشتُمُ الدولَة جهرًا
و أسبُّ الحاكميَن المخلصينَ الأوفياءْ
و أنا مَن أجمعُ النّاسَ حَوَاليَّ
و أدعُوهم إلى الثَّورةِ ضدَّ الزّعماءْ
و أنا مَنْ يزرعُ الفِتنةَ و الْفَوْضَى
و مَنْ يَكسُر أضواءً و أقفالًا
و أشجارًا و دورًا
و يقودُ الأشقياءْ
و أنا ...
و أنا ...
و أنا الدُّودةُ و الدَّاءْ !!!
و أخيًرا
فأنا مَنْ ضربَ الضّابطَ عمدًا
حينما كانَ يؤدِّي واجبًا
في تَفانٍ و وَفَاءْ!
قلتُ: "إنّي أيّها السّادةُ
و اللهِ بريءٌ!"
"إنّما قدْ قذفَ الضّابطُ أمِّي
هكذَا دونَ اعْتبارٍ أو حَياءْ!!!"
نَهرونِي: "أيّها الكاذبُ صَهْ!
و قُلِ الصِّدقَ لِتَخفيفِ الْجَزاءْ!"
قلتُ - هلْ ينفعُ قولي؟! - :
"أنا ياسَادةُ ... و اللهِ بريءٌ!
أنا و اللهِ برِيءْ!"