هَوَى الصِّبْيَانِ وَشْمٌ فِي قُلُوبٍ - عمارة بن صالح عبدالمالك

تُسَائِلُنِي اللَّيَالِي مَنْ أَكُونُ
وَ مِنْ عَيْنَيَّ تَنْهَمِرُ الشُّجُونُ

فَأُخْبِرُهَا بِأنِّي رَهْنُ رِيمٍ
وَ أَنِّي لَا تُفَارِقُنِي الظُّنُونُ

وَ أَنِّي نَخْلَةٌ فِي الْقَفْرِ أَرْجُو
سَمَاءً هَلْ سَتُمْطِرُ أَوْ تَخُونُ

تَهُونُ مَصَائِبٌ ثَقُلَتْ وَ جَلَّتْ
وَ آلَامُ الْحَبِيبَةِ لَا تَهُونُ

إِذَا الرَّجُلُ اللَّجُوجُ غَوَتْهُ أُنْثَى
بِلَا الْأُنْثَى الرُّجُولَةُ لَا تَكُونُ

وَ إِنْ يَتَفَرَّقِ الْحِبَّانِ قَهْرًا
سَيَجْمَعْ قَدْرَ بَيْنِهِمَا الْجُنُونُ

لَعَمْرِي مَا غَدَوْتُ لَهَا نَسِيًّا
غَفَتْ مِنِّي جَوَارِحُ أَوْ جُفُونُ

أَلِفْتُ عُيُونَهَا وَ عَشِقْتُ فَاهَا
وَ مَا أنَا بِالصَّبُورِ إِذَا تَبِينُ

فَطَلْعَتُهَا ابْتِسَامٌ مِثْلُ شَمْسٍ
وَ بَسْمَتُهَا ضِيَاءٌ مُسْتَبِينُ

وَ مَا زَالَتْ يُجَرِّحُنِي هَوَاهَا
وَ يَضْرِبُنِي الْهُيَامُ وَ لَا يَلِينُ

عَشِقْتُهَا مُنْذُ أَنْ كُنَّا صِغَارًا
وَ عِشْقُ الطِّفْلِ مَلْهَاةٌ وَ لِينُ

فَكَمْ عَبَثًا عَثَرْنَا فِي حُقُولٍ
وَ أَرْدَتْنَا عَلَى الْأَرْضِ الْغُصُونُ

وَ كَمْ زَهَرٍ قَطَفْنَا فِي أَوَانٍ
فَلَسَّعَ جِلْدَنَا نَحْلٌ طَنِينُ

وَ كَمْ ضَرَبَتْ جَمَاجِمَنَا شُمُوسٌ
وَ رَعَّبَنَا ظَلَامٌ مُسْتَكِينُ

وَ كَمْ نَادَى عَلَيْنَا وَالِدَانَا
أَبَى تَفْرِيقَنَا الْوَقْتُ الثَّمِينُ

وَ كَمْ فَوْقَ الْقَنَاطِرِ قَدْ وَقَفْنَا
وَ تَحْتُ يُسَافِرُ الْمَاءُ الْمَعِينُ

نُرَاقِبُ أَجْمَلَ الْعَرَبَاتِ تَمْضِي
فَهَذِهِ لِي وَ تِلْكَ لَهَا رُهُونُ

ذَهَبْنَا لِلْمَدَارِسِ ثُمَّ عُدْنَا
مَعًا جَذَبَ الْيَسَارُ أَوِ الْيَمِينُ

جَرَيْنَا فِي الدُّيُومِ بِلَا ثِيَابٍ
حُفَاةً خَلْفَ أَسْرَابِ السُّنُونُو

وَدِدْنَا لَوْ تَدَحْرَجْنَا كِلَانَا
عَلَى قُزَحٍ لِتَنْظُرَنَا الْعُيُونُ

كَتَبْنَا فِي حِيَاطٍ أَوْ رَسَمْنَا
وَ خَرْبَشْنَا؛ أَنَا وَ هِيَ الْفُنُونُ

لَعِبْنَا لُعْبَةَ الْأَزْوَاجِ نَبْنِي
مَنَازِلَنَا لِكَمْ وَلَدٍ نَصُونُ

فَأَخْرُجُ لِلتَّسَوُّقِ ثُمَّ آتِي
فَتَفْرَحُ رَبَّةُ الْبَيْتِ الْحَنُونُ

وَ أَرْجِعُ لِلْبَرَاءَةِ كُلَّ يَوْمٍ
وَ يَأخُذُنِي لِعَيْنَيْهَا الْحَنِينُ

لَقَدْ كُنَّا سُوًى أَبْنَاءَ سِتٍّ
وَ صِرْنَا الْآنَ قَدْ جَعُدَ الْجَبِينُ

بَنَيْتُ أَنَا بِمَنْ كُتِبَتْ نَصِيبِي
وَ بِنْتُ الْعَمِّ فَازَ بِهَا أَمِينُ

هُمَا عَقْدَانِ مُنْذُ أَنِ افْتَرَقْنَا
إِذَا سُعِدَتْ سَعَادَتُنَا تَكُونُ

يَظَلُّ لَهَا بِأَعْمَاقِي حُضُورٌ
إِلَى أَنْ يَسْلِبَ الرُّوحَ الْمَنُونُ

هَوَى الصِّبْيَانِ وَشْمٌ فِي قُلُوبٍ
جَمِيلٌ مَا لَهُ أَبَدًا قَرِينُ

وَ إِنَّ هَوَى الْقُرَى لَأَشَدُّ صِدْقًا
وَ أَكْثَرُ عِفَّةً، مَتْنٌ مَكِيُنُ