أَصرمت حبل الوصل من فترِ - المسيب بن عَلس

أَصَرَمتَ حَبلَ الوَصلِ مِن فِترِ
وَهَجَرتَها وَلَجَجتَ في الهَجرِ

وَسَمِعتَ حَلفَتَها الَّتي حَلَفَت
إِن كانَ سَمعُكَ غَيرَ ذي وَقرِ

نَظَرَت إِلَيكَ بِعَينِ جازِئَةٍ
في ظِلِّ بارِدَةٍ مِنَ السِدرِ

كَجُمانَةِ البَحرِيِّ جاءَ بِها
غَوّاصُها مِن لُجَّةِ البَحرِ

صُلبُ الفُؤادِ رَئيسَ أَربَعَةٍ
مُتَخالِفي الأَلوانِ وَالنَجرِ

فَتَنازَعوا حَتّى إِذا اِجتَمَعوا
أَلقَوا إِلَيهِ مَقالِدَ الأَمرِ

وَغَلَت بِهِم سَجحاءُ جارِيَةٌ
تَهوي بِهِم في لَجَّةِ البَحرِ

حَتّى إِذا ما ساءَ ظَنُّهُمُ
وَمَضى بِهِم شَهرٌ إِلى شَهرِ

أَلقى مَراسِيَهُ بِتَهلُكَةٍ
ثَبَتَت مَراسيها فَما تَجري

فَاِنصَبَّ أَسقَفُ رَأسُهُ لَبِدٌ
نُزِعَت رَباعيتاهُ لِلصَبرِ

أَشفى يَمُجُّ الزَيتَ مُلتَمِسٌ
ظَمآنُ مُلتَهِبٌ مِنَ الفَقرِ

قَتَلَت أَباهُ فَقالَ أَتبَعُهُ
أَو أَستَفيدُ رَغيبَةَ الدَهرِ

نَصَفَ النَهارُ الماءُ غامِرُهُ
وَرَفيقُهُ بِالغَيبِ لا يَدري

فَأَصابَ مُنيَتَهُ فَجاءَ بِها
صَدَفِيَّةً كَمُضيئَةِ الجَمرِ

يُعطى بِها ثَمَناً وَيَمنَعُها
وَيَقولُ صاحِبُهُ أَلا تَشري

وَتَرى الصَراري يَسجُدونَ لَها
وَيَضُمُّها بِيَدَيهِ لِلنَحرِ

فَتِلكَ شِبهُ المالِكِيَّةِ إِذ
طَلَعَت بِبَهجَتِها مِنَ الخِدرِ

وَكَأَنَّ طَعمَ الزَنجَبيلِ بِهِ
إِذ ذُقتَهُ وَسُلافَةَ الخَمرِ

شِركاً بِماءِ الذَوبِ يَجمَعُهُ
في طَودِ أَيمَنَ في قُرى قَسرِ

بَكَرَت تَعَرَّضُ في مَراتِعِها
فَوقَ الهِضابِ بِمَعقِلِ الوَبرِ

سودُ الرُؤوسِ لِصَوتِها زَجَلٌ
مَحفوفَةٌ بِمَسارِبٍ خُضرِ

وَيَظَلُّ يَجري في جَواشِنِها
حَتّى تَرَوَّحَ مَقصِرَ العَصرِ

وَغَدَت لِمَسرَحِها وَخالَفَها
مُتَسَربِلٌ أَدَماً عَلى الصَدرِ

يَمشي بِمِحجَنِهِ وَقِربَتُهُ
مُتَلَطِّفاً كَتَلَطُّفِ الوَبرِ

فَهَراقَ في طَرَفِ العَسيبِ إِلى
مُتَقَبِّلٍ لِنَواطِفٍ صُفرِ

حَتّى تَحَدَّرَ مِن عَوازِبِهِ
أُصُلاً بِسَبعِ ضَوائِنٍ وُفرِ

فَأَصابَ ما حَذَرَت وَلَو عَلِمَت
حَدَبَت عَلَيهِ بِضَيِّقٍ وَعرِ

وَجَناهُ مِن أُفُقٍ فَأَورَدَهُ
سَهلُ العِراقِ وَكانَ بِالحَضرِ

وَإِلَيكَ أَعمَلتُ المَطِيَّةَ مِن
سَهلِ العِراقِ وَأَنتَ بِالقَهرِ

قَيساً فَإِنَّ اللَهَ فَضَّلَهُ
بِمَناقِبٍ مَعروفَةٍ عَشرِ

أَنتَ الرَئيسُ إِذا هُمُ نَزَلوا
وَتَواجَهوا كَالأُسدِ وَالنُمرِ

أَو فارِسُ اليَحمومِ يَتبَعُهُم
كَالطَلقِ يَتبَعُ لَيلَةَ البَدرِ

لَو كُنتَ مِن شَيءٍ سِوى بَشَرٍ
كُنتَ المُنَوِّرَ لَيلَةَ البَدرِ

وَلَأَنتَ أَجوَدُ بِالعَطاءِ مِنَ ال
رَيّانِ لَمّا جادَ بِالقَطرِ

وَلَأَنتَ أَشجَعُ مِن أُسامَةَ إِذ
يَقَعُ الصُراخُ وَلُجَّ في الذُعرِ

وَلَأَنتَ أَبيَتُ حينَ تَنطِقُ مِن
لُقمانَ لَمّا عَيَّ بِالأَمرِ

وَلَأَنتَ أَوصَلُ مَن سَمِعتُ بِهِ
لِشَوابِكِ الأَرحامِ وَالصِهرِ

وَلَأَنتَ أَحيا مِن مُخَبَّأَةٍ
عَذراءَ تَقطُنُ جانِبَ الكِسرِ

وَلَهُ جِفانٌ يَدلُجونَ بِها
لِلمُعتَفينَ وَلِلَّذي يَسرِ