دعاكَ الهوَى ، واستَجهَلَتكَ المنازِلُ، - النابغة الذبياني

دعاكَ الهوَى ، واستَجهَلَتكَ المنازِلُ،
وكيفَ تَصابي المرء، والشّيبُ شاملُ؟

وقفتُ بربعِ الدارِ ، قد غيرَ البلى
مَعارِفَها، والسّارِياتُ الهواطِلُ

أسائلُ عن سُعدى ، وقد مرّ بعدَنا،
على عَرَصاتِ الدّارِ، سبعٌ كوامِلُ

فسَلّيتُ ما عندي برَوحة ِ عِرْمِسٍ،
تخبّ برحلي ، تارة ً ، وتناقلُ

موثقة ِ الأنساءِ ، مضبورة ِ القرا ،
نعوبٍ ، إذا كلّ العتاقُ المراسلُ

كأني شَددَتُ الرّحلَ حينَ تشذّرَتْ،
على قارحٍ ، مما تضمنَ عاقلُ

أقَبَّ، كعَقدِ الأندَريّ، مُسَحَّجٍ،
حُزابِية ٍ، قد كَدمَتْهُ الَمساحِلُ

أضرّ بجرداءِ النسالة ِ ، سمحج ،
يقبلها ، إذْ أعوزتهُ الحلائلُ

إذا جاهدتهُ الشدّ جدّ ، وإنْ ونتْ
تَساقَطَ لا وانٍ، ولا مُتَخاذِلُ

و إنْ هبطا سهلاً أثارا عجابة ً ؛
وإنّ عَلَوَا حَزْناً تَشَظّتْ جَنادِلُ

ورَبِّ بني البَرْشاءِ: ذُهْلٍ وقَيسِها
و شيبانَ ، حيثُ استبهلتها المنازلُ

لقد عالني ما سرها ، وتقطعتْ ،
لروعاتها ، مني القوى والوسائلُ

فلا يَهنىء الأعداءَ مصرَعُ مَلْكِهِمْ،
و ما عشقتْ منهُ تميمٌ ووائلُ

و كانتْ لهمْ ربعية ٌ يحذرونها ،
إذا خضخضتْ ماءَ السماءِ القبائلُ

يسيرُ بها النعمانُ تغلي قدورهُ ،
تجيشُ بأسبابِ المنايا المراجلُ

يَحُثّ الحُداة َ، جالِزاً برِدائِهِ،
يَقي حاجِبَيْهِ ما تُثيرُ القنابلُ

يقولُ رجالٌ، يُنكِرونَ خليقَتي:
لعلّ زياداً ، لا أبا لكَ ، غافلُ

أبَى غَفْلتي أني، إذا ما ذكَرْتُهُ،
تَحَرّكَ داءٌ، في فؤاديَ، داخِلُ

و أنّ تلادي ، إنْ ذكرتُ ، وشكتي
ومُهري، وما ضَمّتْ لديّ الأنامِلُ

حباؤكَ ، وو العيسُ العتاقُ كأنها
هجانُ المها ، تحدى عليها الرحائلُ

فإنْ تَكُ قد ودّعتَ، غيرَ مُذَمَّمٍ،
أواسيَ ملكٌ تبتتها الأوائلُ

فلا تبعدنْ ، إنّ المنية َ موعدٌ ؛
و كلُّ امرئٍ ، يوماً ، به الحالُ زائلُ

فما كانَ بينَ الخيرِ لو جاء سالماً ،
أبو حجرٍ ، إلاّ ليالٍ قلائلُ

فإنْ تَحيَ لا أمْلَلْ حياتي، وإن تمتْ،
فما في حياتي، بعد موتِكَ، طائِلُ

فآبَ مصلوهُ بعينٍ جلية ٍ ،
وغُودِرَ الجَولانِ، حزْمٌ ونائِلُ

سقى الغيثُ قبراً بينَ بصرى وجاسمٍ ،
بغيثٍ ، من الوسمي ، قطرٌ ووابلْ

و لا زالَ ريحانٌ ومسكٌ وعنبرٌ
على مُنتَهاهُ، دِيمَة ٌ ثمّ هاطِلُ

و ينبتُ حوذاناً وعوفاً منوراً ،
سأُتبِعُهُ مِنْ خَيرِ ما قالَ قائِلُ

بكى حارِثُ الجَولانِ من فَقْدِ ربّه،
و حورانُ منه موحشٌ متضائلُ

قُعُودا له غَسّانُ يَرجونَ أوْبَهُ،
وتُرْكٌ، ورهطُ الأعجَمينَ وكابُلُ