نوّار الكلام - خالد أبو حمدية

كانت لهُ جنّاتُها،
والنخلُ كان على المدى قمراً،
يهيئ لي منازلهُ القديمةَ
كي أعوجَ وأجتني
رُطَب المخاضِ،
أموجَ فوقَ الرمل،
تُلْجمِني غصوني الذابلاتُ
فلا تَعُفْني، يا صَبا
مطويّةٌ أطلالها قيد الشِّغافِ
وزهو قلبي في هواها
عالقُ
أشتاقُها،
وأحنُّ،
لو يخفى الحنينُ، وناظري
تلقاءَ شاطِئها يطُيرُ،
يغربلُ الأمواج من زَبَد المسافةِ
حين تُرْغى بين أشرعة الغيابِ
فَحَلّقي يا عينُ،
ذي ريحُ المكانِ،
صدى الحكايا حين تُنْسَلُ من سوادِ اللّيلِ
بين شقوقها
يَعْرى صباحُ الحالمينَ
ويستفيقُ الخفقُ، يُسمِعُنا أنينَ حروفها
أشواق هاتيك الحجارةِ
حينَ تَسقطُ لؤلؤاً
بمحارةِ الأعماقِ
تغسِلُنا،
فَنَبكي .....
والبكاءُ المُرّ
طهرٌ صادقُ
وطنٌ وأنثى
غربةٌ في خافقين
مرارةٌ رشحََتْ على ثَمرينِ
تفاحِ الغوايةِ
وافتضاحِ التوتِ فاستتري
وحدي أروِّضُ
نَفْرةَ الأوراقِ في الشجر العتيقِ
وخلف هذا الأفق جذرٌ سائبٌ
وحجارةٌ صفراء طاعِنةٌ
تَلُمّ البوحَ إن بزغت هنالك آهةُ
أو أنّهُ
يوماً تَمرَّغَ في الترابِ المُرِّ
شَجوُ حمامتينِ
وعاشِقُ
آتيك وحدي
لو تطاوعني خطايَ
أردُّّها لمدارج الزَغَب الخفيفِ
للثغةِ الحرف الخداجِ
لنجمةٍ مغبّرةٍ
رجفت على خيط الصباحِ
ولم تَصِل
للسرو يَشْمَخُ خلف قرميدٍ
يؤجّجهُ الغروبُ
إذا رَمَتْهُ الريحُ
مالَ يعانِقُ
هذا بهاء النرجس الَبرّي
زهو الطين
أسئلةُ الندى
العُمرُ حينَ يَشُدُّ خيطَ الأربعينَ،
فَكَمْ يَظلُّ من المدى ورداً
على وَجْهِ القصيدةِ
تَجتْويهِ شفاهُنا
كَمْ تُتّقى الأقدارُ
حَين تجُرّنا غرباءَ
يخطَفُنا الفناءُ، كما النشيد
يذوبُ في وَترِ المشيبِ ويبتدي
لتنوءَ فيهِ
أضالِعٌ
وخوافقُ
وأرى فضائي في سمائكِ
يرتمي
شهباً تَعفّر وجْهُها
ذَبُلَتْ على الفجر الرمادِ
تثاءَبَ الزمنُ الحبيسُ بِبَرْقِها
حتى انطفا
كالملح في الجرح العميقِ
فهل جفونُك أغفلت سَفَرَ البنفسجِ
في النشيجِ
رعونَة الكّف المُعَلق في الوداعِ
عذوَبة التَلميحِ، إن قَنَصَ العواذِلُ
ما يطيشُ من الكلامِ
ولَمْ يُخالس سودَ نَهْدَتِها
الكسيرةِ
بارقُ
قَدَّتْ ضلوعَ عياطِها
وتنهّدَت جمراً على خوخ الشفاهِ
يُحَرّق المعنى مع الأنفاس
كان يُذَوّب البَردَ الدفين بعينِها
ليسَيلَ
ثُمّ يَدُلّني في أي خافقةٍ
تُخبيءُ بكْر أيامي،
سِنيَّ نضارتي
أعوامَ عمري كُلّها
والحَرفُ ظلّ معلقاً
لم أنتبهْ
أنَّ العيونَ نوافِذَ الملكوتِ لّما تُنكِرُ الدنيا
ربيعَ القلب، نوّار الكلامِ على اللسان
قداسة التأويلِ في المعنى
فَذَوبُ الدمعِ في
الكتمانِ
بوحٌ شاهقُ
ما ثَمَّ مُخْتَصرٌ
لوخز الإختلاجة في الفؤادِ
إنِ استَبَدّ الدمع في عَصَب الكرى،
ما ثَمَّ غيرُك
حينَ تخبو فورةُ الأنفاسِ
في لُمَعِ الخيالِ وتختفي،
ما ثَمَّ غيرك
في سوادِ الحبرِ باهية، وشاهدةً على أسرارهِ
فتمردي،
حتى يَظَلّ البحرُ أزرقَ
حولنا
أم أنهُّ شَلَحَ السماءَ ونام
تحت عباءة الغرقى،
أسىً يَطفو ونطفو فوقه
والبحر ذاتُ البحرِ
فينا غارقُ
رُدّي يمينَك عن شواهدِ وجنتيكِ
فما عساها تقطِفُ النحلاتُ
من فيض الربيع المستريح على البراءةِ
في مرايا الوجهِ
ردّي وهج حنّاء الخصيلاتِ
الرخّيةِ
حينَ تنسجُ أفقها خجلاً طفولّي الغِوى
تغفو عليه قرنفلاتٌ
أفْلَتَتْ من قَيد طينتها،
ومن ثَلْجٍ تَشبُّ علي ضياهُ
نراجسٌ
وزنابقُ
وحدي أُبَرّدُ هَبّةَ الأسحارِ
في رئة الطيورِ
إذا تَنَفّس ريشُها ضَوْعَ الندى
ألقَ الغصون العالياتِ وَقَدْ زَهَتْ
أعشاشُها
إنْ هزّها عَصْفُ الرياحِ إسّاقَطَتْ
قَشاً وأفراخاً توشّحُها بقايا
من قشور البيض
أجملُ صورةٍ عن موطن الميلادِ
تَعْلَق في فضاء النبضِ
تُنقشُ في الخُطى
في رفَّةِ الأجفانِ
والشكوى مع الحرمانِ
صحوٌ حارقُ
وطنٌ وأنثى
دمعةٌ في مُقلتين
شرارةٌ في خافقينِ
صبابةٌ محروقةٌ فوق الشفاهِ
ورِعْشَةٌ بين اليدينْ،
نارٌ وماءٌ في الحشا
يتعانقان ....
فلا انطفاءُ
ووحدي الراوي
أنا نَدَمُ الخطايا
الدافِقُ.
ليلٌ وصبحٌ
في الندى يتماهيانِْ
ناري ومائي
يضحكانِ ، ويضحكانِْ
وأنا والوحيد الضاحك
الباكي
فَنَفْسي إنْ صَفَتْ مع نفسِها
تنأى ولا تتوافقُ
تنأنى
ولا تتوافقُ