ما هتف الورق وغنى الحمام - ابن مشرف

ما هتف الورق وغنى الحمام
أو غرد القمرى جنح الظلام

أو هب للصبح نسيم الصبا
إلا صبا قلب الفتى المستهام

وجدا بسلمى حين شطت بها
مسافة البعد وعز المرام

بهكنة تحوى صنوف البها
كأنها في الحسن بدر التمام

مياسة الأعطاف من ظلمها
تسقى محبيها كؤوس المدام

قد زارني في هجعة طيفها
من بعد أن نام كثير الأنام

فقلت في الأعتاب ما الجفا
إن الوفا بالعهد دين الكرام

وما الذي حلل في شرعكم
هجران ذي ود بهجر أقام

قالت خذ العذر فمن بيننا
قد حال أوباش جفاة طغام

قوم من الأعراب من جهلهم
قد خرقوا الدين ودست الكمام

وقطعوا السبل وعاثوا بها
وحللوا سفك الدماء الحرام

عادات سوء رضعوا ثديها
فاستصعبوا بعد الرضاع الفطام

والذئب قد يعدو على غرة
في غنم الراعي لها إذ ينام

والنار بالزندين ايراؤها
وأول الحرب قبيح الكلام

فقلت لا تخشى ولا تحذري
ما صحب السيف يمين الإمام

وما تجلت للهدى شمسه
إلا انجلى عنها دخان القتام

أتحسبين الجبن من طبعه
لا والذي يحيى رميم العظام

فإن تأنى فله عزمة
وهكذا شأن الرئيس الهمام

لكن سلي الله مغيث الورى
أن يحيي الأرض بوبل الغمام

فتسرح الأنعام في نبته
ويبعث الوالي بجيش لهام

فيه جياد الخيل مجنونة
من كل قبا الجمت باللجام

تحمل للحرب أسود الشرى
والبيض والسمر وزرق السهام

قد طال صوم الخيل في طيلها
فاشتاقت اليوم لترك الصيام

تعدو مع الريات منشورة
على الإمام الشهم وابن الامام

وعصبة من قومهم قد نشوا
في نصرة الدين ورعي الذمام

يا راكبا من أرض هجر ضحى
إن رمت نجدا فالرياض الإمام

أنخ قلوصك لدى قصرها
وبلغ الوالي أتم السلام

وقل له إن جهاد العدى
في ضمنه العز ونيل المرام

وقد أتى النقل عن المصطفى
بأنه في الدين أعلى السنام

ما جرد الصمصام ذو همة
عند اعوجاج الأمر إلا استقام

فبالأماني لا ينال المنى
لأنها تشبه حلم المنام

والمجد لا يدركه مولع
بلثمة الحسناء ذات اللثام

فثب وثوب الليث نحو العلا
وبادر الخصم بسل الحسام

وجاز ذا الحسنى بإحسانه
واسق الأعادي من كؤوس الحمام

وحكم السيف بمن قد عتا
ينقاد للحق ألد الخصام

وهاك في الأداب منظومة
مثل اللآلي في عقود النظام

قد برزت من ناظم ناصح
في وده موف لكم بالذمام

ثم صلاة الله مقرونة
برحمة منه وأزكى سلام

على نبي كان للأنبيا
والرسل في الختم كمسك الختام

وإله الغر وأصحابه
ما هتف الورق وغنى الحمام