خرم الإبرة - محمد عريقات

خُرم الإبرَة..
من كسل الصباحاتِ
ومن الشقوقِ التي يتركها الصداعُ
على جبهتي..
يستفزّني البعيد لاقترافِ خطوَةٍ بديهيّةٍ
إلى الصحو / إليكِ
أنتِ التي ترفضين المكوث في مكانٍ
غيرِ اليَقَظة.
وأنا الخَدِرُ بطمأنينةٍ لا تتسعُ لمفاجَأة..
أروِّضُها بالمزيدِ من الخوفِ
أنا سجنُ طمأنينتي
ألوي المفتاح وأبلَعُه /
أقضِمُ الوقت حتى تمرَّ الفصول
على ألفةٍ نتأت في المعدنِ المغصوب
ذاتَ رِضًا تعجَّلَ..
لم يكُنْ ضيفًا، ولم يمرَّ كسابِلَةٍ على الفيءِ /
لم يُحِس بِهِ الهواء / هُوَ لم يَمُر.
في عَسَلِ المساءاتِ
حيثُ النبيذ يصقِلُ جمجمتي..
قدمايَ تستفزانِ البعيدَ
فيدنو بخطواتٍ يلفُّها السولفان،
أرفضُ المكوثَ خارجَ السُّكرِ،
أصحو ببلادةٍ تتسعُ لفاجِعة..
أنفِّرُها بالمزيدِ من الفرح..
أنا قبرُ الفرح..
ضحكتي عُشبَةٌ بزَغت من مَباءةِ بغلٍ،
أتَضخَّمُ كلما أسرَحُ بالنَملِ..
يحثُّهُ الجوعُ على مشقَّةِ خِردَلة
أحومُ كاليرقةِ حولَ وَهْجي.
زوجتي الخيبةُ أفلحُها فتتوقُ
إلى القِطاف..
أطفالا بأسماءِ من ماتوا..
رقصي بكاءٌ / غنائي هيولى.
أفكارٌ برتقاليّةٌ تقطُرُ
تغرسُ في الرمادِ فراغًا
وتحيكُ دِثارًا من القشعَريرَةِ..
وفي الليلِ،
عندَ انتصافِ الزجاجَةِ
واكتمالِ الصبواتِ، يمرُّ الصَّبرُ
كالقطيعِ عن مجامِرِ قبضتي
إلى جِسمِكِ البَضّ..
تعالي.. نكمِلُ سيرَةَ الرملِ /
نقيثِرُ الصمتَ بزفيرِ الإوَزِ الناجعِ
عندَ حوافِ البحيرَةِِ..
لا يَفُلّ الحَياءَ سوى قبلةٍ /
قبلةٍ تكسِرُ القفلَ عن فِضَّةٍ ممزوجَةٍ
بِذَهَب /
عن جَسَدٍ وقودُهُ الرِّجال.
عيناكِ تدسانِ شهوَةً تحتَ
غطائي..
تحفرانِ في السَّديلِ كوَّةً
وفي الخيال..
ألتهِبُ بما تسرقهُ من رجولتي،
أذناكِ تبتلعانِ صرخَةَ الكهفِ داخلي
شهوةَ الرملِ
جذوَةَ اليدِ وهي تمتدُّ كعريشٍ
كثيفٍ على أفقِ صرخَةٍ متكوِّمةٍ
على فوّهةِ البئرِ تنزُّ
كافورًا وهَياجًا.
زائلٌ يا جَسَدي..
مخذولٌ بروحٍ ينفُثُها النِزاعُ بعيدًا
عن البيتِ والمقبرَة..
ولم أتحلَّق حولَ الذينَ يطهونَ
جنَّتهم خمرةً ونِساء لِتُتخم
زوادتي بالنَّعيمِ /
الجنَّةُ لم تنضجْ، وجهنَّمُ موقَدةٌ تتلونُ
بينَ الأثافي،
وأنتِ.. تجيئينَ إلى البال /
رَهَفٌ يَمرُّ ولا يلامَسُ /
رغبَةٌ تلمَعُ في رؤى المحمومِ..
يتبعها أثاثي جوقَةً وأظلُ مغناةً
بلا أذُنينْ.
كنتُ أهجِسُ..
ولازلتُ في تَخومِ العُصابِ
والثَّمَل..
يتبجَّحُ طيفي في رواقٍ
صادَفتني المسرَّةُ فيهِ
واختبأتْ في جُرنِ استحالتها،
حتّى أنتِ..
صَدَّقَتكِ المرايا وكذّبتُ حُضوركِ
ليسَ بينَ يديَّ
سوى الوسادةِ والجوع،
والقشِّ الذي يتَطايَرُ
في فراغِ الجُمجُمَة.
زُيّنَ لي أن أحبّكِ لا توجَدينَ..
تحدّثني البئرُ عنكِ، تحدثني
الوشاية /ُ
لا تجيءُ بكِ الريحُ
لا تغوصُ بكِ ضمَّتي الوالهة..
زيِّنَ للحَرشِ إكليلُ الصنوبَرِ /
زُيّنتُ للأضدادِ.. تتهافَتُ في
بعضِها:
فيكَ شيءٌ ضاعَ منّي.
الفضَّةُ ذهَبٌ بُحَّ لونه..
سالتْ شمسهُ بينَ الحجارةِ،
وارتوى من حَليبِ الغزالِ.
كذلكَ اسمي..
يظلُّ بكرًا على مدِّ نطقِكِ
أيّتها الأبجديَّةُ،
ينكِّلُني مجدهُ، ويخذلني أمَلُ
الذينَ رأوهُ فألا..
أعلِّقهُ من حلقةِ الميمِ
بينَ نحاسيّاتٍ عتيقةٍ،
هُوَ أيضًا إرثٌ وجدوه
في كهوفِ الخرافةِ،
هبطَ على الأكفِّ والصخورِ
من طراوةِ القطن..
لم يستعن بالحبالِ
إنما بالطموح.
لستُ كلبًا أيتها الصباحات،
أيها الصحو،
أيتها المرأةُ، أيها البعيد،
لستُ كلبًا أيها الفرح، أيتها الخيبة،
لستُ كلبًا إنما
نجمَةٌ في الترابِ.