أينَ منــّي المـَكانُ - محمد عريقات

I
بعيداً قريباً
منَ الظلِّ كنتُ
وكانَ اتساعُ فمي واضِحاً
لبناتِ المدارِسِ عندَ الظهيرةِ
يَصبـُغْنَ بالأخضرِ العفويِّ
أرصِفة ً ،
رغمَ أنفِ الخريفْ
II
قريباً بعيداً
عنِ الحبِّ كنتُ
وكانَ دمي خالياً من زجاجِ
القواريرِ تعبـُقُ بالخـَمَجِ
المستحبِّ !
تـَعالي لنبحثَ عن طفلِنا
في الوعودِ نُلوِّنُ فطرَتـَهُ
من عُريِّ حليبِـِكِ فوقَ المرايا
وعَبـْقِ كحولي ،
هوَ الحبُّ يجمعُ أضلعـَنا
ثمَّ يأخـُذ شكلَ سنونوةٍ
في قفصْ
III
بعيداً قريباً
من الجنسِِ كنتُ
ولا شيءَ ينهشني غيرَ جوعِ
الرّخامةِ للمـُشتهى /
أزرقٌ مثلَ إبطكِ ،
لا القمحُ والملحُ يمنعـُني
من مذاقِ الحضاراتِ
في الآمِنِ المطمئنِّ لذئبٍ
يسمـّى أنا في الأساطيرِ
عمـّا قريبْ
IV
قريباً بعيداً
عنِ الذكرياتِ
وكانت مفكـِّرَتي حقلُ وردٍ
سريعُ النموِّ
وكنتُ شغوفاً بما لا تحبُّ
الطبيعة ُ
كنتُ أنا وكانَ أنا الآنَ غيري !
V
قريباً بعيداً
برغمِ دنوِّ العناقيدِ كنتُ
وكانَ ليَ الحقلُ رحباً
ورَبـّاتـُهُ يشتهينَ بيَ الذئبَ
خلفَ قناعِ النبيِّ
الذي آثرَ الروحَ في خلواتِ
المكانِ وأسدَلَ شهوتـَهُ في ابتسامة ...!
VI
قريباً بعيداً
عنِ الحربِ كنتُ
وكانَ سلاحِيَ ستـّاً وعشرينَ
حرْفاً ،
وكانَ بزوغِيَ من ضلعِ قافِيةٍ
لا مَخاضَ وتسعِ شهورٍ عجافٍ
وكانَ أخي الحرفُ أكفىءُ من أخي !
وابنُ عمـّي يلمُّ الحصى
عن طريقِ الغريبِ
كما علـَّمتهُ الوراثة ُ
حيثُ تعوّدتُ كَسبَ الخسارة ْ .
VII
بعيداً قريباً
من الحلمِ كنتُ
ومكـَّنتُ في الأرضِ رجليَّ
كي لا أتوهَ بأفـْقِ الحداثةِ
عن أيِّ معنىً أرَدتُ ،
وتجري القصيدَة في الشعرِ
ساذِجة مسـَّها الرّمزُ
يشهِرُ مِفتاحهُ صارِخاً /
أدخلوني
VIII
قريباً بعيداً
عنِ الموتِ كنتُ
فما زلتُ أعبـُرُ في العمرِ
دونَ التفاتِ السنينِ
لما جَفَّ من ورقِ الياسمينةِ
في ظِلـِّها !
IX
بعيداً قريباً
منَ العـُنـُقِ المتشبـِّثِ دفئِيَ
يصحو المكانُ مريضاً
من النمنماتِ التي تتدلـّى
كخيطٍ منَ النمل ...
X
قريباً بعيداً
لما قد يجولُ بذهنِكِ كنتُ
وعن خطوَةٍ لا تؤدي
إلى ما وراءِ السـَّتان .
أحبـُّكِ أكثرَ من أيِّ وقتٍ سيأتي /
أحبـُّكَ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مَضى /
حلمتُ بأنـَكَ تـَسرِقُ فستانَ نومي
عن الحبلِ ليلة لامستني واختفيتْ !!!
حَلمتُ بأنـَّكِ أرجعتِ ليَ الذكريات
عن الليل /
ليلة ما أشعلتـْكِ الحقيبة
بالمحتوى العاطفي وانتسيتْ .
} أحبُّ حقائِبها دونَ تلكَ التي
لم تذيلْ بإسمي {
XI
قريباً بعيداً
منَ الأمنياتِ هـُوَ الواقِعُ
المتشبـِّثُ في قدَرٍ تافِهِ الحـَشوِ
حاصرَني في الدوائِرِ
كي أستقيمَ على عِوَجِ الغيبِ ،
ثمـّة َ شيءٌ أقولُ ولكنْ لِنـَفسي
التي تستعدُّ لمكرِ السؤالْ /
مَن
مَن
مَن .
XII
بعيداً قريباً
وما بينَ بينَ الحقيقةِ والحلـْمِ كنتُ
أهذبُ ذعـْرَ الشجيراتِ
مما تراهُ الجذورُ العنيدة ُ
في القاعِ فِيّ /
أورشليمُ تهيـِّئُ عاشِقةٍ للعناقِ
قد أرهَقتها البكارَة ُ
من خلفِ وخزِ السياجِ
وعِطرِ الحديقة ...
XIII
بعيداً قريباً
منَ اللونِ فيكِ ،
أفتـِّشُ عن أبيضٍ لم تـُصِبـْهُ
البحيرَة ُباللازوردِ .
فنادانِيَ الكأسُ
لاشيءَ أبيضُ مما
يعتـِّقــُهُ اللهُ
من يانـَسونْ
XIV
قريباً بعيداً
ووجهٌ لوجهينِ كنتُ
وأكذِبُ كذبة ذئبٍ بأني
أطارِدُ أمنَ الغزالةِ من أجلِ
بعضِ الغبارِ المـُداوي
لِعـَيني !
XV
بعيداً قريباً
منَ الماءِ كنتُ
وكنتُ أنا البدءُ في أوّلِ اليومِ
حتى نضوجِ الثواني الأخيرةِ
في السابِعِ المستحيلِ استـَويتُ
ولستُ برائِحةٍ أستـَدَلُّ
وطعمٍ ولونْ
رَشَقتـُكَ في الأفـْقِ شِعراً
فأصبحتَ كَونْ .
XVI
قريباً بعيداً
مِن القـَفص ِالرحبِ
نحوَ غياهِبِ حريَّتي ,
أستمدُّ الوقاية َ من شاعر ٍ ماتَ يبحثُها
بينَ كحلٍ وجفنْ!!
XVII
قريباً بعيداً
مِن الوصفِ كنتُ
وأجمل من لغةِ الطيرِ حينَ استدلَّ
على الشمس ِ خلفَ الجبالِ
وجاءَ يلوِّحُ ملءَ جناحيهِ
يا صاحبَ الريح ِارم ِ عصاكَ
ليأكـُلـَها السوسُ دونَ سقوطِكَ
واسعَ لشاهدةٍ
فوقَ تسعٍ وتسعينَ قبراَ لتسعٍ وتسعينَ امرأة ً
يقتسمنَ أجاص السريرِ وينعينَ جسمكْ...
XVIII
قريباً بعيداً
عن السرِّ فيكِ ،فينهضُ فيَّ الفضولُ
ليخمشَ غيم الأناضول
أزرقَ .. أزرقَ
يشرَقُ بالمجدِ
حيثُ يفكُ الأحاجي
بزرَّي قميصٍ
ويبلعُ حشرجة َ الذكرياتِ
وما قد تبقـَّى لهُ في الهزيع الأخيرِ ...
XIX
قريباً بعيداً
يَراني المقيمُ / المسافرُ
في بهوِ أغنيةٍ لا تؤدي لشاعرِها
في النهايات ِ ،
حيثُ تـُسيِّرُهُ لدهاليزَفوقَ شفا فكرةٍ
كوِّنتْ من سماع الشريدِ
لخطْواتِهِ : أينَ منِّي المكانُ...؟