هيَ الدّارُ إلاّ أنّها منهمُ قَفرُ، - ابن المعتز

هيَ الدّارُ إلاّ أنّها منهمُ قَفرُ،
وإنّي بها ثاوٍ، وإنّهُم سَفرُ

حبَستُ بها لحظي، وأطلَقتُ عَبرَتي،
وما كان لي في الصّبرِ لو كان لي عُذرُ

كأني ، وأيامي التي طوتِ النوى ،
تجيانِ باتا دونَ لقياهما سترُ

تَوَهّمتُ فيها مَلعَباً ومَسارِحاً،
و نؤياً ، كملقى الطوقِ ثلمه القطرُ

فدَعْ ذكرَ بُثنى قد مضَى ليسَ راجعاً،
فذلكَ دَهرٌ قد توَلّى ، وذا دَهرُ

مهَفهفَة ٌ صفرُ الوِشاحِ، كأنّها
مهاة ُ خلاءٍ ظلّ يكنفها الدُّرّ

لها وَجنَاتٌ يَضحَكُ الوَردُ فَوقَها،
وطَرْفٌ مَريضٌ حشوُ أجفانِه السّحرُ

فما روضة ُ الزهرِ التي تلفظُ الندى ،
ويُصبحُ فيما بَينَها للنّدى نَشرُ

بأطيَبَ من سَلمى ، ولا كلُّ طيّبٍ،
و لا مثلُ ما تحلو به يفعلُ البدرُ

و غيثٍ خصيبِ التربِ تندى بقاعه ،
بهيمِ الذرى ، أثوابُ قيعانه خضرُ

رَجيبٍ كَمَوْجِ الْبَحرِ يَلتَهمُ الرُّبى
ويَغْرقُ في آكلائِهِ النَّعَمُ الدَّثرُ

ألَحَتْ علَيهِ كلُّ طَخياءَ ديمَة ٍ،
إذا ما بكَتْ أجفانُها ضَحِكَ الزّهرُ

فَما طَلَعَتْ شمسُ النّهارِ ضُحيّة ٌ،
ولا أُصُلاً، إلاّ ومن دونِها خِدرُ

كأنّ عُيونَ العاشقينَ مَنوطَة ٌ
بأرجائِها، فما يَجِفُّ لها شَفرُ

كأنّ الربابَ الجونَ ، والفجرُ ساطعٌ ،
دُخانُ حَريقٍ لا يُضِيءُ لهُ جَمرُ

أمِنكِ سرَى يا شُرُّ بَرقٌ، كأنّهُ
جَناحُ فؤادٍ خافِقٍ ضَمّهُ صَدرُ

أرقتُ له ، والركبُ ميلٌ رؤوسهم ،
يَخوضونَ ضَحضاحَ الكَرى وبهم وقرُ

علاهم حليدُ الليلِ حتى كأنهمْ
بُزاة ٌ تَجَلّى في مَراقِبِها قُمرُ

إلى أن تَعَرّى النّجمُ من حُلّة ِ الدُّجى ،
وقالَ دليلُ القومِ: قد ثَقَبَ الفَجرُ

وقدّوا أديمَ القَومِ حينَ تَرَفّعَتْ
لهم ليلة ٌ أخرى كما حلقَ النسرُ

و جيشٍ كمثلِ الليلِ يسودُّ شمسهُ ،
ويَحمَرُّ من أعدائِهِ البَرُّ والبَحرُ

شَهِدتُ بِطِرْفٍ أعوَجيٍّ وطِرْفَة ٍ،
وعَضبِ حُسامِ الحَدّ في مَتنِهِ أَثرُ

و لما التقى الصفانِ فرقَ بيننا
بريقُ ضرابِ البِيضِ والأسلُ السُّمرُ

فوَلّوا، وقد ذاقوا التي يَعرِفُونَها،
فكانَ لَهم عُذرٌ، وكانَ لَنا فَخرُ

إذا ما رَكبتُ الجَونَ والسّيفُ مُنتضًى ،
فقلْ لبني حواءَ يجمعهم أمرُ

و كم من خليلٍ لم أمتعْ بعهدهِ ،
وفيتُ له بالودّ فاجتحهُ الغدرُ

فقَدّمتُ صَفحاً عنهُ يُوجبُ شُكرَهُ،
وما كانَ لي منهُ جَزاءٌ، ولا شكرُ

وذلكَ حَظّي من رِجالٍ أعِزّة ٍ
عليّ، فإنْ أهجُرْهُمُ يَكثرِ الهَجرُ

لهم خيرُ مالي حينَ يعتلُّ مالهم ،
وسرعَة ُ نَصري حينَ يَعتَذِرُ النّصرُ

إذا جاءَنا العافي رأى في وُجوهِنا
طَلاقَة َ أيدينا، وبَشّرَهُ البِشرُ