يا دارُ، يا دارَ أطرابي وأشجاني، - ابن المعتز

يا دارُ، يا دارَ أطرابي وأشجاني،
أبلَى جَديدَ مَغانيكِ الجَديدانِ

لئنْ تخليتُ من لهوي ومن سكني ،
لقد تاهلتُ من همي ، وأحزاني

جاءَتك رائحَة ٌ في إثرِ باكِرَة ٍ،
تروي ثرى منك امسى غيرَ ريانِ

حتى ارى النورَ في مغناك مبتمساً ،
كأنّهُ حَدَقٌ في غَيرِ أجفانِ

لمّا وَقَفَتُ على الأطلالِ أبكاني
ما كانَ أضحَكني منها وألهاني

فَما أقُولُ لدَهرٍ شَتّتَتْ يَدهُ
شملي ، واخلى من الأحبابِ أوطاني

وما أتاني بنُعمَى ظَلتُ لابسَها،
إلاّ انثَنَى مُسرِعاً فيها، فعَرّاني

كم نعمة ٍ عرفَ الإخوانُ صاحبها ،
لمّا مَضَتْ أنكَرُوهُ بَعدَ عِرفانِ

و مهمهٍ كرداءِ العصبِ مشتبهٍ ،
قَطّعتُهُ، والدُّجى والصّبحُ خَيطان

والرّيحُ تَجذِبُ أطرافَ الرّداءِ، كما
أفضَى الشّقيقُ إلى تَنبيهِ وَسنان

حتى طويتُ على أحشاءِ ناجية ٍ ،
كأنّما خَلقُها تَشييدُ بُنيانِ

كأنّ أخفافها ، والسيرُ ينقلها ،
دلاءُ بئرٍ تدلتْ بينَ أشطانِ

لها زِمامٌ، إذا أبصرتُ جَولَتَهُ
حسبتُ في قَبضَتي أثناءَ ثُعبانِ

إلى هِلالٍ تَجَلّتْ عنهُ لَيلَتُهُ،
باريهِ صورهُ في خلقِ إنسانِ

لَجّتْ بِنا هُجرَة ٌ، والقَلبُ عندكمُ،
فأطلَقي القَلبَ، أو قُودي لجُثماني

أنا الذي لم تدَعْ فيهِ محَبّتَكُم
فضلاً لغيركَ من إنسٍ ولا جانِ

فإن أرَدتِ وِصالاً فاقبلي صِلَتي
منّي وإلاّ، فهجرانٌ بهجرانِ

ما الودّ مني بمنقولٍ إلى مذقٍ ،
ولَستُ أطرحُ نَفسي حَيثُ تَلحاني

و لا أريدُ الهوى ، إن لم يكن لهوى
نَفسي ، وبعضِ الهوى والموتُ سِيّانِ

و ربّ سرٍّ كنارِ الصخرِ كامنة ٍ ،
أمَتُّ إظهارَهُ منّي، فأحياني

لم يَتّسَعْ مَنطِقي فيهِ ببائحَة ٍ
حزماً ولا ضاقَ عن مثواهُ كتماني

و ربّ نارٍ أبيتُ الليلَ أوقدها
في لَيلَة ٍ من جُمادى ذاتِ تَهتانِ

يُقَيّدُ اللّحظَ فيها عن مَسالِكِها،
كأنّها لَبِسَتْ أثوابَ رُهبانِ

ما زلتُ أدعو بضوءِ النارِ مقترباً ،
يُغري دُجَى اللّيلِ منه شخصُ حَرّانِ

و قد تشقُّ غبارُ الحربِ لي فرسٌ
مُقَدَّمٌ، غيرُ هَيّابٍ، ولا وانِ

و قدُّ قائمة ٍ منهُ مركبة ٍ
في مَفصلٍ ضامرِ الأعصابِ ظَمآنِ

بحَيثُ لا غوثَ إلاّ صارِمٌ ذكَرٌ،
و جنة ٌ كحبابِ الماءِ تغشاني

و صعدة ٍ كرشاءِ البئرِ ناهضة ٍ ،
بأزرقٍ كاتقادِ النجمِ يقظانِ

سَلي، فدَيتُكِ، هل عَرّبتُ من مِنَني
خلقاً، وهل رُحتُ في أثوابِ مَنّانِ

وهل مَزَجتُ صَفائي للصّديقِ، وهل
أودَعتُ، ياهندُ، غيرَ الحمدِ خَزّاني

و لا عققتُ بجسّ الكأسِ ساقيتي ،
و لا عففتث ، وظلّ الدهرُ ينعاني

أسررتُ حزناً بها والقلبُ مضطربٌ ،
و راحَ يبني بغيرِ الحقّ إعلاني

وقد أرِقتُ لبَرقٍ طارَ طائِرُهُ،
والنّومُ قد خاطَ أجفاناً بأجفانِ

في مُكفهرٍّ كرُكنِ الطّودِ مُصطخِبٍ،
كأنّ إرعادهُ تحنانُ ثكلانِ