مَا طَابَ فَرْعٌ لاَ يَطِيبُ أَصلُهُ - ابن دريد

مَا طَابَ فَرْعٌ لاَ يَطِيبُ أَصلُهُ
حمى مؤاخاة ِ اللئيمِ فعلهُ

وَكُلُّ مَنْ وَاخَى لَئِيماً مِثْلُهُ

منْ أمنَ الدهرَ أتي منْ مأمنهْ
لاَ تَسْتَثِرْ ذَا لِبَدٍ مِنْ مَكْمَنِهْ

وكلُّ شيءٍ يبتغى في معدنهْ

لِكُلِّ نَاعٍ ذَاتَ يَوْمٍ نَاعِي
وَإِنَّمَا السَّعْيُ بِقَدْرِ السَّاعِي

قدْ يهلكُ المرعيَّ عتبُ الراعي

مَنْ تَرَكَ القَصْدَ تَضِقْ مَذَاهِبُهْ
دلَّ على فعلِ امرئٍ مصاحبهُ

لاَ تَرْكَب الأَمْرَ وَأَنْتَ عَائِبُهُ

مالكَ إلا ما عليكَ مثلهُ
لا تحمدنَّ المرءَ ما لمْ تبلهُ

وَالمَرْءُ كَالصُّورَة ِ لَوْلاَ فِعلُهُ

يا ربما أورثتِ اللجاجهْ
مَا لَيْسَ لِلْمِرْءِ إِلَيْهِ حَاجَهْ

وضيقُ أمرٍ يتبعُ انفراجهْ

كمْ منْ وعيدٍ يخرقُ الآذانا
كأنما ينبأ بهِ سوانا

أَصَمَّنَا الإِهْمَالُ أَمْ أَعْمَانَا

يجلُّ ما يؤذي وإنْ قلَّ الألمْ
مَا أَطْوَلَ اللَّيْلَ عَلَى مَنْ لَمْ يَنَمْ

وسقمُ عقلِ المرءِ منْ شرِّ السقمْ

ما منكَ منْ لمْ يقبلِ المعاتبهْ
وَشَرُّ أَخْلاَقِ الفَتَى المُوَارَبَهْ

يكفيكَ مما تكرهُ المجانبهْ

مَتَى تُصِيبُ الصَّاحِبَ المُهَذَّبَا
هَيْهَاتَ مَا أَعْسَرَ هَذَا مَطْلَبَا

وَشَرُّ مَا طَلَبْتَهُ مَا اسْتَصْعَبَا

لاَ يَسْلُكُ الخَيْرُ سَبِيلَ الشِّرِّ
وَاللَّهُ يَقْضِي لَيْسَ زَجْرُ الطَّيْرِ

كمْ قمرٍ عادَ إلى قميرِ

لَمْ يَجْتَمِعْ جَمْعٌ لِغَيْرِ بَيْنِ
لِفُرْقَة ٍ كُلُّ اجْتِمَاعِ اثْنَيْنِ

يَعْمَى الفَتَى وَهْوَ بَصِيرُ العَيْنِ

الصَّمْتُ إِنْ ضَاقَ الكَلاَمُ أَوْسَعُ
لكلِّ جنبٍ ذاتَ يومٍ مصرعُ

كمْ جامعٍ لغيرهِ ما يجمعُ

ما لكَ إلا ما بذلتَ مالُ
في طرفة ِ العينِ تحولُ الحالُ

وَدُونَ آمَالِ الوَرَى الآجَالُ

كَمْ قَدْ بَكَتْ عَيْنٌ وَأُخْرَى تَضْحَكُ
وَضَاقَ مِنْ بَعْدِ اتِّسَاعٍ مَسْلَكُ

لاَ تُبْرِمَنْ أَمْراً عَلَيْكَ يُمْلَكُ

خَيْرُ الأُمُورِ مَا حَمَدْتَ غِبَّهُ
لاَ يَرْهَبُ المُذْنِبُ إِلاَّ ذَنْبَهُ

وَالمَرْءُ مَغْرُورٌ بِمَنْ أَحَبَّهُ

كلُّ مقامٍ فلهُ مقالُ
كُلُّ زَمَانٍ فَلَهُ رِجَالُ

وَلِلْعُقُولِ تُضْرَبُ الأَمْثَالُ

دَعْ كُلَّ أَمْرٍ مِنْهُ يَوْماً يُعْتَذَرْ
خَفْ كلَّ وِرْدٍ غَيْرَ مَحْمُودِ الصَّدَرْ

لاَ تَنْفَعُ الحِيلَة ُ في مَاضِي القَدَرْ

نَوْمُ الفَتَى خَيْرٌ لَهُ مِن يَقَظَهْ
لَمْ تُرْضِهِ فِيهَا الكِرَامُ الحَفَظَهْ

وَفِي صُروفِ الدَّهْرِ لِلنَّاسِ عِظَهْ

مَسْأَلَة ُ النَّاسِ لِبَاسُ ذُلِّ
مِنْ عَفَّ لَمْ يُسْأَمْ وَلَمْ يُمَلِّ

فارضَ من الأكثرِ بالأقلِّ

جَوَابُ سُوءِ المَنْطَقِ السُّكُوتُ
قَدْ أَفْلَحَ المُتَّئِدُ الصَّمُوتُ

ما حمَّ منْ رزقكَ لا يفوتُ

في كُلِّ شَيْءٍ عِبْرَة ٌ لِمَنْ عَقَلْ
قدْ يسعدُ المرءُ إذا المرءُ اعتدلْ

يرجو غداً ودونَ ما يرجو الأجلْ

كمْ زادَ في ذنبِ جهول عذرهُ
دَعْ أَمْرَ مَنْ أَعْيَى عَلَيْكَ أَمْرُهُ

يْخَشى امْرُؤٌ شَيْئاً وَلاَ يَضُرُّهُ

رَأَيْتُ غِبَّ الصَّبْرِ مِمَّا يُحْمَدُ
وَإِنَّمَا النَّفْسُ كَمَا تَعَوَّدُ

وَشَرُّ مَا يُطْلَبُ مَا لاَ يُوجَدُ

لا يأكلُ الإنسانُ إلا ما رزقْ
ما كلُّ أخلاقِ الرجالِ تتفقْ

هانَ على النائمِ ما يلقى الأرقْ

مَنْ يَلْدَغِ النَّاسَ يَجِدْ مَنْ يَلْدَغُهْ
لاَ يَعْدِمُ البَاطِلُ حَقًّا يَدْمَغُهْ

لسانُ ذي الجهلِ وشيكاً يوثقهْ

كُلُّ زَمَانٍ فَلَهُ نَوَابِغُ
وَالحَقُّ لِلْبَاطِلِ ضِدٌّ دَامِغُ

يغضكَ المشربُ وهوَ سائغُ

لا خيرَ في صحبة ِ منْ لا ينصفُ
وَالدَّهْرُ يَجْفُو مَرَّة ً وَيُلْطِفِ

كأنَّ صرفَ الدهرِ برقٌ يخطفُ

رُبَّ صَبَاحٍ لامْرىء ٍ لَمْ يُمْسِهِ
حَتْفُ الفَتَى مُوَكَّلٌ بِنفْسِهِ

حتى يحلَّ في ضريحِ رمسهِ

إني أرى كلَّ جديدٍ بالِ
وكلَّ شيءٍ فإلى زوالِ

فاستشفِ منْ جهلكَ بالسؤالِ

إنكَ مربوبٌ مدينٌ تسألُ
والدهرُ عنْ ذي غفلة ٍ لا يغفلُ

حتى يجيءَ يومهُ المؤجلُ