أيها العاتب الذي ليس يرضى - البحتري
أيّها العَاتِبُ الذي لَيسَ يَرْضَى،
                                                                            نَمْ هَنِيئاً، فَلَسْتُ أُطْعَمُ غَمضَا
                                                                    إنّ لي مِنْ هَوَاكَ وَجْداً قَدِ اسْتَهـ
                                                                            ـلَكَ نَوْمِي، وَمَضْجِعاً قَدْ أقَضّا
                                                                    فَجَفُوني في عَبرَةٍ لَيسَ تَرْقَا،
                                                                            وَفُؤَادِي في لَوْعَةٍ مَا تَقَضّى
                                                                    يَا قَلِيلَ الإنصَافِ كَمْ أقتَضِي عِنْـ
                                                                            ـدَكَ وَعْداً، إنجازُهُ لَيسَ يُقْضَى
                                                                    فأجِزني بالوَصْلِ، إنْ كَانَ دينا
                                                                            وأثِبْنِي بالحُبّ إنْ كَانَ قَرْضَا
                                                                    بأبي شادِنٌ تَعَلّقَ قَلْبي
                                                                            بجُفُونٍ فَوَاتِرِ اللّحْظِ، مَرْضَى
                                                                    غَرّني حُبُّهُ، فأصْبَحْتُ أُبْدِي
                                                                            مِنْهُ بَعْضاً، وأكتُمُ النّاسَ بَعْضَا
                                                                    لَسْتُ أنْساهُ إذْ بَدَاً مِنْ قَرِيبٍ،
                                                                            يَتَثَنّى تَثَنّيَ الغُصْنِ غَضّا
                                                                    واعْتِذَارِي إلَيْهِ، حَتّى تَجَافَى
                                                                            ليَ عَنْ بَعْضِ مَا أتَيْتُ، وأغْضَى
                                                                    وَاعْتِلاَقِي تُفّاحَ خَدّيهِ تَقْبِيـ
                                                                            ـلاً، وَلَثماً طَوْراً، وَشَمّاً، وَعَضّا
                                                                    أيّها الرّاغِبُ الّذي طَلَبَ الجُو
                                                                            دَ فأبْلَى كُومَ المَطَايَا، وأنْضَى
                                                                    رِدْ حِيَاضَ الإمَامِ، تَلقَ نَوَالاً،
                                                                            يَسَعُ الرّاغِبِينَ طُولاً وَعَرْضا
                                                                    فَهُنَاكَ العَطَاءُ جَزْلاً لِمَنْ رَا
                                                                            مَ جَزِيلَ العَطَاءِ والجُودِ مَحْضا
                                                                    هُوَ أنْدَى مِنَ الغَمَامِ، وأوْفَى
                                                                            وَقعَاتٍ مِنَ الحُسَامِ، وأمْضَى
                                                                    دَبّرَ المُلْكَ بِالسَّدَادِ، فَإبْرَا
                                                                            ماً صَلاَحُ الإسْلامِ فيهِ، وَنَقْضَا
                                                                    يَتَوَخّى الإحْسَانَ قَوْلاً وَفِعْلاً،
                                                                            وَيُطيعُ الإلَهَ بَسْطاً وَقَبْضا
                                                                    وإذا مَا تَشَنّعَتْ حَوْمَهُ الحَرْ
                                                                            بُ، وَكَانَ المَقَامُ بالقَوْمِ دَحْضا
                                                                    وَرَأيْتَ الجِيَادَ تَحْتَ مَثَارِ الـ
                                                                            ـنّقعِ يَنْهَضْنَ بالفَوَارِسِ نَهْضا
                                                                    غَشِيَ الدّارِعِينَ ضَرْباً هَذَاذَيْـ
                                                                            ـكَ، وَطَعْناً يُوَرعُ الخَيلَ وَخْضَا
                                                                    فَضَّلَ اللهُ جَعْفَراً بِخِلالٍ
                                                                            جَعَلَتْ حُبَّهُ عَلَى النَّاسِ فَرْضَا
                                                                    يا ابنَ عَمّ النّبيّ حَقّاً، وَيَا أزْ
                                                                            كَى قُرَيشٍ نَفساً، وَديناً، وعِرْضا
                                                                    بِنْتَ بِالفَضْلِ والعُلُوّ فأصْبَحْـ
                                                                            ـتَ سَمَاءً، وأصْبَحَ النّاسُ أرْضَا
                                                                    وأرَى المَجْدَ بَيْنَ عَارِفَةٍ مِنْـ
                                                                            ـكَ تُرَجَّى، وَعَزْمَةٍ مِنكَ تُمْضَى