أثيل العقيق إلى بانه - البحتري
أُثَيْلُ العَقيقِ إلى بَانِهِ،
                                                                            فَعُفْرِ رُبَاهُ، فَقيعَانِهِ
                                                                    مَغَانٍ لوَحْشٍ تَصِيدُ القُلُو
                                                                            بَ عُيُونُ مَهَاهُ وَغِزْلانِهِ
                                                                    صَبا بَعدَ إخلاسِ شَيبِ القَذا
                                                                            لِ، وَبَعدَ اختلافاتِ ألوَانِهِ
                                                                    وَفِقدانِ إلْفٍ جَفَوْتُ الكَرَى،
                                                                            وَعِفْتُ السّرُورَ، لِفِقْدانِهِ
                                                                    أطاعَ الوُشَاةَ عَلى كُرْههِ،
                                                                            بِهَجْرِ المَشُوقِ، وَعِصْيَانِهِ
                                                                    وَلَوْ وكّلُوهُ إلى رَأْيِهِ
                                                                            أتَى وَصْلُهُ، قَبلَ هِجرَانِهِ
                                                                    كَتَمتُ الهوَى، ثمّ أعلَنَتْهُ،
                                                                            وَسِرّ الهَوَى قَبلَ إعْلانِهِ
                                                                    أُخَلّي عَنِ الشّيْءِ في فَوْتِهِ،
                                                                            وَأطْلُبُهُ عِنْدَ إمْكَانِهِ
                                                                    وَآمُلُ مِنْ حَسَنٍ رَجْعَةٌ،
                                                                            بِعَدْلِ الوَزِيرِ وَإحْسانِهِ
                                                                    إذا هَمّ أمْضَى شَبَا عَزْمِهِ،
                                                                            وَكانَ التّوَدّدُ مِنْ شانِهِ
                                                                    وَلمْ يَتَوَقّفْ عَلى شَكّهِ،
                                                                            فيَمْنَعُهُ تَنْفيذَ إيقَانِهِ
                                                                    صَليبٌ، تُكَشِّفُ عَن سَبْقِهِ،
                                                                            إلى الرّأي، أحداثُ أزْمانِهِ
                                                                    وَقدْ حاجزَتْ عاجِماتِ الخُطُو
                                                                            بِ عن النّبعِ شِدّةُ عيدانِهِ
                                                                    تَعَلّمَ مِنْ فَضْلِهِ المُفضِلُو
                                                                            نَ، فأجرَوْا عَلى نَهجِ ميدانِهِ
                                                                    وَيَغْدُو، وَنَجدَتُهُ في الوَغَى
                                                                            تُدَرِّبُ نَجْداتِ فُرْسَانهِ
                                                                    يهُولُ العِدَى جِدُّهُ في ادّخا
                                                                            رِقُمْيصِ الحَديدِ، وَأبْدانِهِ
                                                                    إذا زَادَ في غَيظِهِ بَغْيُهُمْ،
                                                                            وأنْكَرْتَ ظاهِرَ عِرْفانِهِ
                                                                    ففي السّيفِ، إنْ لمْ يَعدْ عفوُه،
                                                                            شِفَاءُ مُمِضّاتِ أضْغَانِهِ
                                                                    تَلافَى رَعِيّتَهُ مُنْصِفاً،
                                                                            وَوَفّى نَصِيحَةَ سُلْطانِهِ
                                                                    وَقامَتْ كِفايَتُهُ، دونَ مَا
                                                                            رَجاهُ الحَسُودُ بِشَنْآنِهِ
                                                                    فَمَا الوَهْنُ نَهْجاً لتَدْبيرِهِ،
                                                                            وَلا العَجْزُ داراً لإيطانِهِ
                                                                    إذا وَعَدَ اتّسَعَتْ كَفُّهُ
                                                                            لإنْجَاحِهِ، دونَ حِرْمَانِهِ
                                                                    تُصُدِّقُ آمالَنَا عِنْدَهُ،
                                                                            لدى سَليسِ النَّيلِ، عَجلانِهِ
                                                                    مَكارِمُ لا يَبتَني مِثْلَهَا
                                                                            مُشَفِّقُهُمْ، يَوْمَ بُنْيَانِهِ
                                                                    تًسِيرُ القَوَافي بِأنْبَائِها،
                                                                            مَسيرَ المَطيّ برُكْبَانِهِ
                                                                    شرَى بارِعَ المَجدِ، مُستَظهِراً
                                                                            على القَوْمِ في رَفْعِ أثْمَانِهِ
                                                                    إذا طَاوَلُوهُ إلى سُؤدَدٍ،
                                                                            عَلا النّجْمَ في بُعْدِ إمْعَانِهِ
                                                                    إذا ما استَطَعْنا مَدَى حاجَةٍ،
                                                                            قَصَرْنا مَداهَا بِفِتْيَانِهِ
                                                                    بزُهْرٍ كأنّ السّحَابَ استَعَا
                                                                            رَ من جودِهمْ فَيضَ تَهتانِهِ
                                                                    تَرَى الحَمدَ مُجتَمِعاً شَملُهُ
                                                                            لأحْمَدِهِ بنِ سُلَيْمَانِهِ
                                                                    لأبيضَ يَعْلُو بقُرْبَى الوَزِيرِ
                                                                            عُلُوَّ الوَزيرِ بشَيْبَانِهِ
                                                                    يُذكّرُنا لُبْسُ نَعْمَائهِ
                                                                            لِبَاسَ الشّبابِ وَرَيْعَانِهِ