سقيت الغوادي من طلول وأربع - البحتري
سُقيتِ الغَوادِي من طُلُولٍ وأرْبُعِ،
                                                                            وَحُيّيتِ من دارٍ لأسماءَ بَلْقَعِ
                                                                    وإنْ كُنتُ لا مَوْعُودُ أسماءَ رَاجعي
                                                                            بنُجحٍ، ولا تَسوِيفُ أسماءَ مُقنعي
                                                                    ولا نَافعٌي سَكْبُ الدّموعِ التي جَرَتْ
                                                                            َلدَيها، ولا فَرْطُ الحَنينِ المُرَجَّعِ
                                                                    فَلا وَصْلَ، إلاّ أنْ يُطِيفَ خَيالُها
                                                                            بنا تحتَ جُؤشوشٍ من اللّيلِ أسْفَعِ
                                                                    ألَمّتْ بنا، بعدَ الهدو، فَسامحَتْ
                                                                            بوَصْلٍ، متى نَطلُبْهُ في الجِدّ تَمنَعِ
                                                                    وَمَا بَرِحَتْ حتّى مَضَى اللّيلُ فانقَضَى،
                                                                            وأعجَلَهَا داعي الصّباحِ المُلَمَّعِ
                                                                    فَوَلّتْ كأنّ البَينَ يَخلِجُ شَخصَها
                                                                            أوَانَ تَوَلّتْ، من حَشايَ وأضْلُعي
                                                                    وَرُبّ لقَاءٍ لمْ يُؤمَّلْ، وفُرْقَةٍ
                                                                            لأسْمَاءَ لمْ تُحْذَرْ، وَلَمْ تُتَوَقّعِ
                                                                    أرَانيَ لا أنْفَكُّ في كلّ لَيْلَةٍ
                                                                            تُعَاوِدُ فيها المَالكيّةُ مَضْجَعي
                                                                    أُسَرُّ بقُرْبٍ منْ مُلِمٍّ مُسَلِّمٍ،
                                                                            وأُشجَى ببَينٍ منْ حَبيبٍ مُوَدِّعِ
                                                                    فكَأْيِنْ لَنَا بَعْدَ النّوَى منْ تَفَرّقٍ
                                                                            تُزَجّيهِ أحلامُ الكَرَى، وَتَجَمُّعِ
                                                                    وَمِنْ لَوْعَةٍ تَعْتَادُ في إثْرِ لَوْعَةٍ،
                                                                            وَمن أدمُعٍ تَرْفَضُّ في إثرِ أدْمُعِ
                                                                    فَهَلاّ جَزَى أهلُ الحمى فَيضَ عبرَتي،
                                                                            وَشَوْقِي إلى أهلِ الحمَى، وَتَطَلُّعِي
                                                                    سَيَحْملُ هَمّي عن قَريبٍ، وهمّتي
                                                                            قَرَا كُلِّ ذَيّالٍ جُلالٍ جَلَنْفَعِ
                                                                    يُناهِبْنَ أجْوَازَ الفَيَافي بأرْجُلٍ
                                                                            عِجَالٍ، إلى طَيّ الفَيَافي، وأذْرُعِ
                                                                    متى تَبلُغِ الفَتحَ بنَ خَاقَانَ لا تُنِخْ
                                                                            بضَنْكٍ، وَلاَ تَفزَعْ إلى غَيْرِ مَفزَع
                                                                    حَليفُ ندًى، إن سيل فَاضَتْ حياضه
                                                                            وَذُو كَرَمٍ، إلاّ يُسَلْ يَتَبَرّعِ
                                                                    تُؤمَّلُ نُعْمَاهُ، وَيُرجَى نَوَالُهُ
                                                                            لَعَانٍ ضَريكٍ، أوْ لُعَافٍ مُدَقَّعِ
                                                                    وَيَبْتَدِرُ الرّاءونَ منهُ، إذا بَدَا،
                                                                            سَنَا قَمَرٍ من سُدّةِ المِلْكِ مُطلَعِ
                                                                    إذا مَا مَشَى بَينَ الصّفُوفِ تَقَاصرَتْ
                                                                            رُؤوسُ الرّجالِ عن طُوَالٍ سَمَيْذَعِ
                                                                    يَقُومُونَ من بُعدٍ، إذا بَصُرُوا بهِ،
                                                                            لأبْلَجَ مَوْفُورِ الجَلاَلَةِ، أرْوَعِ
                                                                    وَيَدعُونَ بالأسماءِ مَثنًى وَمَوْحَدا
                                                                            إذا حَضَرُوا بابَ الرِّوَاقِ المُرَفَّعِ
                                                                    إذا سارَ كُفّ اللّحظُ عن كلّ مَنظَرٍ
                                                                            سواهُ وَغُضّ الصّوْتُ عن كلّ مَسمعِ
                                                                    فَلَسْتَ تَرَى إلاّ إفاضَةَ شاخصٍ
                                                                            إلَيهِ بعَينٍ، أو مُشِيرٍ بإصْبَعِ
                                                                    مُرَاعٍ لأوْقاتِ المَعالي مَتَى يَلُحْ
                                                                            لَهُ شَرَفٌ يُوجِفْ إلَيهِ، فيُوضِعِ
                                                                    عَفُوٌّ عَنِ الجانينَ حتّى يَرُدّهُمْ
                                                                            إلَيهِ، وَإلاّ يَعْفُ يأخُذْ، فيُسرِعِ
                                                                    عَليمٌ بتَصريفِ اللّيالي، كأنّه
                                                                            يُعاني صُرُوفَ الدّهرِ من عَهْدِ تُبّعِ
                                                                    حَلِيمٌ، فإنْ يُبلَ الجَهُولُ بحقْدِهِ
                                                                            يَبتْ جارَ رأسِ الحَيّةِ المُتَطَلّعِ
                                                                    وَلاَ يَبْتَدِي بالحَرْبِ أو يُبْتَدَى بِهَا،
                                                                            وَقُورُ الأنَاةِ أرْيَحيُّ التّسَرّعِ
                                                                    وَقَدْ آيَسَ الأعداءَ مَحْكُ مُضَاجِرٍ
                                                                            لَجُوجٍ، متى يَحْزُزْ بكَفّيهِ يَقطَعِ
                                                                    طَلُوبٍ لأقْصَى الأمرِ حتّى يَنَالَهُ،
                                                                            وَمُغْرًى بغاياتِ الحَقَائِقِ، مُولَعِ
                                                                    وَقُلْتُ لمَغْرُورٍ بهِ حَانَ وارْتَمَتْ
                                                                            بهِ مُطْمِعَاتُ الحَينِ في غَيْرِ مَطمَعِ
                                                                    ترَكتَ اقتبالَ العَفْوِ،والعَفْوُ مُعرِضٌ،
                                                                            إذ السّلْمُ باقٍ، والقُوَى لم تُقَطَّعِ
                                                                    أفالآنَ حَاوَلْتَ الرّضَا بَعدَمَا مَضَتْ
                                                                            عزِيمَةُ غَضْبَانٍ على الشّرّ مُجمِعِ؟
                                                                    إذا بَدَرَتْ منهُ العَزِيمَةُ لم يَقفْ،
                                                                            وإنْ جَازَ عَنْهُ الأمرُ لم يَتَتَبّعِ
                                                                    هَجُومٌ عَلى الأعداءِ من كلّ وِجهَةٍ
                                                                            إذا هَجهَجُوا في وَجهِ لمْ يُرَوَّعِ
                                                                    أمينُ بني العَبّاسِ في سرّ أمرِهِمْ،
                                                                            وَعُدّتُهُمْ للخَالِعِ المُتَمَنِّعِ
                                                                    فَما هُوَ بالسّهلِ الشّكيمةِ دونَهُمْ،
                                                                            ولا فيهِمِ بالمُدْهِنِ، المُتَصَنِّعِ
                                                                    وَيُرْضِيكَ مِن وَالي الأعِنّةِ كَرُّهُ
                                                                            وإقْدامُهُ في المأزِقِ المُتَشَنَّعِ
                                                                    لَهُ الأثَرُ المَحمُودُ في كلّ مَوْقِفٍ،
                                                                            وَفَصْلُ الخطابِ الثّبتِ في كلّ مَجمعِ
                                                                    لكَ الخَيرُ: إنّي لاحقُ بكَ فاتّئِدْ
                                                                            عَليّ، وإنّي قائِلٌ لكَ، فاسمَعِ
                                                                    مَكَانيَ مِنْ نُعْمَاكَ غَيْرُ مُؤخَّرٍ،
                                                                            وَحَظّيَ مِنْ جَدْوَاكَ غَيْرُ مُضَيَّعِ
                                                                    وإنّي، وإنْ أبلَغْتَني شَرَفَ العُلا،
                                                                            وأعتَقْتَ من ذل المَطامِعِ أخدَعي
                                                                    فَما أنَا بالمَغضُوضِ عَمّا أتَيْتَهُ
                                                                            إليّ، ولا المَوْضُوعِ في غَيرِ مَوْضِعي
                                                                    وَقَدْ نافَستَني عُصْبَةٌ مِنْ مُقَصِّرٍ،
                                                                            وَمُنْتَحِلٍ ما لم يَقُلْهُ وَمُدّعِ
                                                                    إذا ما ابتَدَرْنا غايَةً جِئْتَ سَابِقاً،
                                                                            وَجاءوا على آثار حَسرَى وَظُلَّعِ
                                                                    فَلا تُلْحِقَنْ بي مَعشَراً لم يُؤمّلُوا
                                                                            لَحَاقي، ولم يَجرُوا إلى أمَدٍ مَعِي