أصدود غلا بها أم دلال - البحتري
أَصُدُودٌ غَلاَ بِهَا أَمْ دَلاَلُ
                                                                            يَوْمَ زُمَّتْ بِرامَةَ الأَجْمَالُ
                                                                    أَعَرَضَتْ عَطْفَةَ القَضِيبِ، وحَادَثْ
                                                                            مِنْ قَرِيبٍ كَمَا يَحِيدُ الغَزَالُ
                                                                    عَهِدَتْنِي وَللشَّبيبةِ سِرْبالٌ
                                                                            جَدِيدٌ ، فَأَنهَجَ السِّرْبَالُ
                                                                    ورأَتْنِي تَدَارَكَ الحِلْمٌ مِنِّي ،
                                                                            وتَنَاهَى عَنْ عذْلِيَ الْعُذَّالُ
                                                                    إِنْ يَعُدْ هَجْرُهَا جَدِيداً ، فقدْ كَانَ
                                                                            جَدِيداً مِنَّا ومِنْهَا الوِصالُ
                                                                    إِذ حَوَاشِي الزَّمَانِ خُضْرٌ رِقَاقٌ
                                                                            وقَنَاةُ الأَيامِ فِيهَا اعْتِدَالُ
                                                                    واهَا بِالكَثِيبِ مِنْ جَنْبِ حُزْوَى
                                                                            أَنَسٌ قَاطِنٌ وحَيٌّ حِلاَلُ
                                                                    تَلَفُ الحِلْمِ أَنْ بُطَاعَ التَّصَابي ،
                                                                            وَرَدَى اللَّهْوِ أَنْ يَشِيب القَذَالُ
                                                                    أَبْرَجَ الْعَيْشُ فَالمشِيبُ قَذِّى في
                                                                            أَعيُنِ الْبيضِ ، والشَّبَابُ جَمَالُ
                                                                    نَوِّلِينا ، وأَيْنَ مِنْكِ النَّوالُ
                                                                            أَوعِدينَا ، ووعْدُ مِثْلِكَ آلُ
                                                                    أَنَا رَاضٍ بِاَنْ تَجُودِي بِقَوْلٍ
                                                                            كَاذَبٍ ، أَو يُطِيفَ مِنْكِ خَيَالُ
                                                                    أَيُّهَا المُبْتَغِي مُسَجَلَةَ الْفَتْحِ
                                                                            لَحَاولْتَ نَيْلَ ما لا يُنَالُ
                                                                    اَيْنَ تِلْكَ الأَخلاقُ مِنْكَ إِذا رُمْتَ
                                                                            مَداهَا ، وأَين تِلْكَ الخِلاَلُ
                                                                    لَن تُجَارَى الْبِحَارُ حِينَ يَجِيشُ الْمَدُّ
                                                                            فِيها ، ولَنْ تُوَازَى الجِبَالُ
                                                                    يبْعُدُ البَائِنُ المُبَرِّزُ فَوْتاً ،
                                                                            وتَدانَى الضُّرُوبُ والأَشكالُ
                                                                    لَمْ تُسَلَّمْ لهُ المَقَادَةُ حَتَّى
                                                                            عَرفَتْ فَضْلَهُ عَلَيْهَا الرِّجالُ
                                                                    رَفَعَتْ مَجْدَهُ عَلَيْهِ تَنُوخٌ
                                                                            فَلَهُ فَوْقَ غَيْرِهِ إِطْلاَلُ
                                                                    قائلٌ ، فاعِلٌ ولَيْسَ يكونُ الْقَوْلُ
                                                                            مجِْداً حتَّى يكُونَ الفَعَالُ
                                                                    وصَحِيحُ السَّماحِ بَينَ أُناسٍ
                                                                            في سجَاياهُمُ عَلَيْنا اعْتِلاَلُ
                                                                    ثابِتٌ في المَكَرِّ إِذْ رَاحَ لِلْفُرْسانِ
                                                                            عن جَانبِ الصَّرِيعِ مَجَالُ
                                                                    مَلِكٌ يَسْتَقِلُّ في رَأْيِهِ المُلْكُ
                                                                            ، ويَحْيَا في فَضْلِهِ الإِفضَالُ
                                                                    وَإِذا ما حَلَلْتُ رَبْعَ أَبي الْفَضْلِ
                                                                            ، فَثَمَّ السَّماحُ والإِبْلاَلُ
                                                                    مُتَعَلٍّ على الخُطُوبِ إِذ الْعَاثِر
                                                                            ُ كَابٍ في صَرْفِها ما يُقَالُ
                                                                    ومُقِيمٌ صَغَى الأَمُورِ وفِيها
                                                                            حَيَدٌ عن جِهَاتِها وانْفِتَالُ
                                                                    مُتَحَنٍّ علَى الخِلاَفَةِ ما يَنْقُصُ
                                                                            في حَظْها ولا يَغْتَالُ
                                                                    شَاهِرٌ دُونَ حَقِّها عَزَمَاتٍ
                                                                            تَتَحامَى مَكْرُوهَهَا الأَبْطَالُ
                                                                    وسُيُوفاً إِيمَاضُها أَوْجالٌ
                                                                            للأَعَادِي ، وَوَقْعُها آجَالُ
                                                                    مُرْهَفَاتٍ ، لها إِذا أَظْلَمَ النَّقْعُ
                                                                            علَيْهَا تَوقُّدٌ واشْتِعالُ
                                                                    أَبَداً يسْتَجِدُّ مِنهَا حَديثانِ
                                                                            دَمٌ مِنْ عَدُوِّهِ وصِقَالُ
                                                                    كُلَّما جِئْتُهُ تَعَرَّفْتُ مَجْداً
                                                                            مُسْتفَاداً للطَّرْفِ فيه مَجَالُ
                                                                    حَيْثُ لا تَدْفَعُ الحُقُوقَ المَعَاذِيرُ
                                                                            ، ولا يَسْبِقُ العَطَاءَ السُّؤَالُ
                                                                    أَعْوَزَتْ مِن سِوَاك عارِفَةُ الجُودِ ،
                                                                            وخَابَتْ في غَيْرِك الآمالُ
                                                                    أَنا مَنْ بَلَّهُ نَدَالَ ، وأَعلَتْ
                                                                            مِنْهُ آلاَؤْك العِراضُ الطِّوَالُ
                                                                    وتوَّلَّتْهُ أَنْعُمٌ مِنْكَ يُحْملْنَ
                                                                            خِفَافاً وَهُنّض وَفْرٌ ثِقَالُ
                                                                    مَالئاتٌ بذِكْرِكَ الأَرضَ شكْراً
                                                                            وثَنَاءً ، وسَيْرُها إِرْسالُ
                                                                    طَالِعاتٌ تِلْكَ النِّجَادَ ،فَفِي كُلِّ
                                                                            مَقَامٍ لَهُنَّ فِيهِ مقَالُ