يا عارضا متلفعا ببروده - البحتري
يا عَارِضاً مُتَلَفّعاً بِبُرُودِهِ،
                                                                            يَختَالُ بَينَ بُرُوقِهِ وَرُعُودِهِ
                                                                    لوْ شئتَ عُدتَ بلادَ نجدٍ عَوْدَةً،
                                                                            فنَزَلْتَ بَينَ عَقيقِهِ، وَزَرُودِهِ
                                                                    لتَجودَ في رَبْعٍ بمُنعَرَجِ اللّوَى،
                                                                            قَفْرٍ، تَبَدّلَ وَحشُهُ من غِيدِهِ
                                                                    رَفعَ الفِرَاقُ قِبابَهمْ، فتَحمّلوا
                                                                            بِفُؤادِ مُخْتَبَلِ الفُؤادِ عَميدِهِ
                                                                    وَأنا الفِداءُ لمُرْهَفٍ غَضِّ الصّبَا،
                                                                            يُوهيهِ حَملُ وِشاحِهِ وَعُقُودِهِ
                                                                    قَصُرَتْ تَحِيّتُهُ، فجادَ بخَدّهِ
                                                                            يَوْمَ الفراقِ لَنا، وَضَنّ بجيدِهِ
                                                                    عيبَتْ بهِ عَينُ الرّقيبِ، فلَمْ تدَعْ
                                                                            مِنْ نَيْلِهِ المَطلوبِ غيرَ زَهيدِهِ
                                                                    وَلَوِ استَطاعَ لكانَ يوْمُ وِصَالِهِ
                                                                            للمُستَهامِ مَكانَ يَوْمِ صُدودِهِ
                                                                    ما تُنكِرُ الحَسناءُ مِنْ مُتَوَغِّلٍ
                                                                            في اللّيلِ، يَخلِطُ أينَهُ بسُهودِهِ
                                                                    قد لَوّحَتْ منهُ السُّهوبُ وَأثّرَتْ
                                                                            في يُمنَتَيهِ، وَعَنسِهِ، وَقُتودِهِ
                                                                    فلِفِضّةِ السّيفِ المُحَلّى حُسنُهُ
                                                                            مُتَقَلِّداً، وَمَضاؤهُ لحَديدِهِ
                                                                    أعلى بَنُو خاقانَ مَجداً، لم تَزَلْ
                                                                            أخلاقُهُمْ حَبْساً على تَشْييدِهِ
                                                                    وَإلى أبي الحَسَنِ انصَرَفتُ بهمّتي
                                                                            عن كلّ مَنزُورِ النّوَالِ، زَهيدِهِ
                                                                    أُثْني بنِعمَتِهِ التي سَبَقَتْ لَهُ،
                                                                            وَمَزِيدِهِ مِنْ قَبلُ حينَ مَزِيدِهِ
                                                                    وَعُلُوّهِ في المَكرُماتِ، فَجُودُهُ
                                                                            فيها طَوَالَ الدّهرِ فوْقَ وُجودِهِ
                                                                    إنْ قَلّ حَمْدٌ عادَ في تَكثيرِهِ،
                                                                            أوْ رَثّ مَجدٌ عادَ في تَجديدِهِ
                                                                    خَطّاً على مِنهاجِهِ المُفضِي إلى
                                                                            أمَدِ العُلا، وَتَقيُّلاً لجُدودِهِ
                                                                    وإذا أشارَ إلى الأعاجِمِ أعرَبَتْ
                                                                            عن طارِفِ الحسبِ الكَرِيمِ، تَليدِهِ
                                                                    عَن مُستَقَرٍّ في مَرَاتبِ مجْدهمْ،
                                                                            في باذِخٍ، نائي المَحَلّ بَعيدِهِ
                                                                    تَجرِي خَلائقُهُ، إذا جَمَدَ الحَيا
                                                                            بغَليلِ شانِئِهِ، وَغَيظِ حَسودِهِ
                                                                    يَفْدِي عُبَيدَ الله، مِن حُسّادِهِ،
                                                                            مَنْ باتَ يَرْبَأُ عَنهُمُ بعَبيدِهِ
                                                                    أرَجُ النّدَى يَنبَثٌّ في مَعرُوفِهِ
                                                                            مِنْ عُرْفِهِ، ويَزِيدُ في تَوْكيدِهِ
                                                                    وَمُبَجَّلٍ وَسطَ الرّجالِ، خفوفُهمْ
                                                                            لقِيامِهِ، وَقِيامُهُمْ لقُعُودِهِ
                                                                    ألدّهرُ يَضْحَكُ عَن بَشاشةِ بِشرِه،
                                                                            وَالعَيشُ يَرْطَبُ من نَضَارَةِ عُودِه
                                                                    وَنَصِيحَةُ السّلطانِ مَوْقعُ طَرْفِهِ،
                                                                            وَنحيُّ فِكرَتِهِ، وَحُلمُ هُجودِهِ
                                                                    إنْ أوْقعَ الكُتّابَ أمرٌ مُشكِلٌ
                                                                            في حَيرَةٍ، رَجَعوا إلى تَسديدِهِ
                                                                    وَالحَزْمُ يَذهَبُ غيرَ مُلتاثٍ إلى
                                                                            تَصْوِيبِهِ في الرّأيِ، أوْ تَصْعيدِهِ
                                                                    أوْفَى على ظُلَمِ الشّكوكِ، فشقّها
                                                                            كالصّبحِ يضرِبُ في الدّجى بعَمودِهِ
                                                                    نَعْتَدُّه ذُخْرَ العُلا وَعَتادَها،
                                                                            وَنَرَاهُ من كَرَمِ الزّمانِ وَجُودِهِ
                                                                    فالله يُبْقيهِ لَنَا، وَيَحُوطُهُ،
                                                                            وَيُعِزُّهُ، وَيَزِيدُ في تأييدِهِ