أقم علها أن ترجع القول أو علي - البحتري
أقِمْ عَلّها أنْ تُرْجعَ القَوْلَ، أوْ عَلَيّ
                                                                            أُخَلِّفُ فيها بَعضَ ما بي منَ الخَبَلِ
                                                                    هيَ الدّارُ، إلاّ ما تَخَوّنَهُ البِلَى،
                                                                            وَعَفّى لَجَاجُ الرّيحِ والرّائِحِ الوَبْلِ
                                                                    فإنْ لَمْ تَقِفْ مِنْ أجلِ نَفسِكَ ساعةً،
                                                                            فقِفْها، على تلكَ المَعَالِمِ، مِنْ أجلي
                                                                    وإنْ شِئتَ، فاعذُلني، فإنّ صَبَابَتي،
                                                                            إذا نَفِدَتْ بالدّمعِ عادَتْ على العَذلِ
                                                                    رَمَيتُ العيونَ النُّجلَ أمسِ، فلم أُصِبْ،
                                                                            وأقصَدَني الرّامُونَ بالأَعيُنِ النُّجلِ
                                                                    فَما قَدْرُ ما أُبقي، إذا كان مَوْضِعي
                                                                            من الحبّ أنْ أُبْلَى عَلَيهِ، ولا أُبْلي
                                                                    وَلَوْ كنتُ من قَبلِ الهَوَى لم أقُمْ لَهُ،
                                                                            فكيفَ انْتَصَافي والهَوى كان من قَبلي
                                                                    عَذيرِيَ مِنْ دَاءٍ قَديمٍ تَغَوّلَتْ
                                                                            غَوَائِلُهُ، في الدّهْرِ، ألْفَ فتًى مثلي
                                                                    أماتَ على عَفَرَاءَ عُرْوَةَ من هَوًى،
                                                                            وَبَدّدَ نَفساً مِنْ جَميلٍ على جُمْلِ
                                                                    رأى بَعضُهُمْ بَعضاً على الحبّ إِِسْوَةً،
                                                                            فَماتوا وَمَوْتُ الحبّ ضرْبٌ من القَتلِ
                                                                    وَلَيْسَ لِساني للّئيمِ، ولا يَدي،
                                                                            وَلاَ نَاقَتي عندَ البَخيلِ، وَلا رَحلي
                                                                    أمُبْلِغَتي أيْدي الرّوَاسِمِ جَعْفَراً،
                                                                            فأُحمَدَ في قَوْلٍ، وَيُحْمَدَ في فِعْلِ
                                                                    وأعهَدَ كَفّاً غَيرَ مَعقُودَةِ النّدى،
                                                                            وعِقْدَ وَدادٍ ثَمّ لَيسَ بمُنْحَلّ
                                                                    وَمَا كُلُّ مَنْ يُدعَى كَرِيماً لَدَيهِمِ
                                                                            بِندٍّ لَهُ في المَكرُماتِ، ولا مِثْلِ
                                                                    وَتِلْكَ سَحَابَاتٌ مَرَرْنَ، وَقَد تَرَى
                                                                            تَفَاوُتَ ما بَينَ الرَّذاذِ إلى الهَطْلِ
                                                                    فإنْ تَنْفَرِدْ عَنّا قُشَيرٌ بِمَجْدِهِ،
                                                                            فلَمْ تَنْفَرِدْ عَنّا بِنَائِلِهِ الجَزْلِ
                                                                    وَكُنّا نَرَى بَعضَ النّدَى بعدَ بَعضِهِ،
                                                                            فلَمّا انتَجَعناهُ دُفِعْنا إلى الكُلّ
                                                                    وَجَدْناه في ظِلّ السّماحةِ مُشرِقاً
                                                                            بوَجْهٍ، أرَانَا الشّمسَ في ذلك الظلّ
                                                                    عُلاً حُزْتَهَا بالجُودِ والبَذْلِ للُّهَى،
                                                                            نأيْتَ بها عَنْ هِمّةِ الحاسِدِ الوَغْلِ
                                                                    تَبيتُ على شُغْلٍ، وَلَيسَ بضائِرٍ
                                                                            لمَجْدِكَ يَوْماً، أنْ تَبيتَ على شُغْلِ
                                                                    كَمَا لَمْ يَنَلْ إبْلِيسُ آدَمَ، إذْ سَعَى،
                                                                            وَلَمْ يَمحُ، من نُورِ النّبيّ، أبو جَهْلِ
                                                                    وَكَمْ لَكَ منْ وَسْميّ عُرْفٍ تعَرّفَتْ
                                                                            لَهُ سِمَةٌ زَهْرَاءُ في طالِبٍ غُفْلِ
                                                                    وَمِنْ نِعْمَةٍ في مَعشَرٍ، لوْ دَفَعْتَها
                                                                            على جَبَلٍ لانهَدّ مِنْ فادحِ الثّقْلِ
                                                                    شكَرْتُكَ شكرِي لامرِىءٍ جادَ ساحتي
                                                                            بأنْوَائِهِ، طُرّاً، وَلَمّا أقُلْ جُدْ لي