مني وصل ومنك هجر - البحتري
مِنّيَ وَصْلٌ، وَمنكَ هَجْرُ،
                                                                            وَفيّ ذُلٌّ، وَفيكَ كِبْرُ
                                                                    وَمَا سَوَاءٌ، إذا التَقَيْنَا،
                                                                            سَهْلٌ عَلى خُلّةٍ، وَوَعْرُ
                                                                    إنّي، وإنْ لمْ أبُحْ بوَجْدِي،
                                                                            أُسِرُّ فيكَ الذي أُسِرُّ
                                                                    يَا ظَالِماً لي بغَيرِ جُرْمٍ،
                                                                            إلَيْكَ مِنْ ظُلمِكَ المَفَرّ
                                                                    قَدْ كُنْتُ حُرّاً، وأنتَ عَبْدٌ،
                                                                            فصِرْتُ عَبداً، وأنْتَ حُرّ
                                                                    بَرّحَ بي حُبُّكَ المُعَنّي،
                                                                            وَغَرّني مِنْكَ ما يَغُرّ
                                                                    أنْتَ نَعيمي، وأنتَ بُؤسِي،
                                                                            وَقَدْ يَسُوءُ الذي يَسُرّ
                                                                    تَذْكُرُ كَمْ لَيْلَةٍ لَهَوْنَا
                                                                            في ظِلّهَا، والزّمانُ نَضْرُ
                                                                    غَابَ دُجَاهَا، وأيُّ لَيْلٍ
                                                                            يَدْجُو عَلَيْنَا، وأنتَ بَدْرُ
                                                                    تَمْزُجُ لي رِيقَةً بِخَمْرٍ،
                                                                            كِلا الرُّضَابَينِ مِنكَ خَمْرُ
                                                                    لَعَلّهُ أنْ يَعُودَ عَيْشٌ،
                                                                            كَمَا بدا، أو يَديلَ دَهْرُ
                                                                    إفْضَالُ فَتْحٍ عَلَيّ جَمٌّ،
                                                                            وَنَيْلُ فَتْحٍ، لَدَيّ غَمْرُ
                                                                    المُنْعِمُ، المُفْضِلُ، المُرَجّى،
                                                                            والأبْلَجُ، الأزْهَرُ، الأغَرُّ
                                                                    إذا تَعَاطَى الرّجَالُ مَجْداً،
                                                                            بَذّهُمْ سَبهَ المُبِرّ
                                                                    هُمْ ثِمادٌ، وأنْتَ بَحْرٌ،
                                                                            وَهُمْ ظَلامٌ، وأنْتَ فَجْرُ
                                                                    إنّي، وإنْ كُنتُ ذا وَفَاءٍ،
                                                                            لا يَتَخَطّى إليّ غَدْرُ
                                                                    لَذاكِرٌ مِنْكَ فَضْلَ نُعْمَى،
                                                                            وَسَتْرُ نُعْمَى الكَرِيمِ كُفْرُ
                                                                    وَكَيفَ شُكرِيكَ عَنْ سَوَاءٍ،
                                                                            وَمَا يُداني نَداكَ شُكْرُ
                                                                    عُذْرٌ، وَحَسْبُ الكَرِيمِ ذَنْباً
                                                                            إتْيَانُهُ الأمْرَ، فيهِ عُذْرُ