ما بعيني هذا الغزال الغرير - البحتري
ما بِعَيْنَيْ هذا الغَزَالِ الغَرِيرِ
                                                                            مِنْ فُتونٍ، مُستَجلَبٍ من فتورِ
                                                                    إسْتَوَى الحُبُّ بَيْنَنَا فَغَدا الدّهـ
                                                                            ـرُ قَصِيراً، واللّهوُ غَيرَ قَصِيرِ
                                                                    أنَخِيلٌ بعالِجٍ، أمْ سَفينٌ
                                                                            عائِماتٌ، أمْ أُولياتُ خُدُورِ
                                                                    قَرُبُوا بَعْدَ نِيّةٍ، وَاطمأنّوا
                                                                            بَعْدَ إدْمَانِ قِلْعَةٍ وَمَسِيرِ
                                                                    لِتَداني القُلُوبِ، إنّ تَدانِيـ
                                                                            ـهِنّ داعٍ إلى تَداني الدّورِ
                                                                    لَيسَ في العَاشِقِينَ أنقَضُ حَظّاً
                                                                            في التّصَابي مِنْ عَاشقٍ مَهجورِ
                                                                    ضَعُفَ الدّهرُ عن هَوَانَا وما الدّهْـ
                                                                            ـرُ عَلَى كلّ دَوْلَةٍ بِقَديرِ
                                                                    حَسُنَتْ لَيْلَةُ الكَثيبِ، فكانتْ
                                                                            ليَ أُنْساً، وَوَحْشَةً للغَيُورِ
                                                                    ضَلّ بَدْرُ السّمَاءِ، أوْ كَادَ لَمّا
                                                                            وَاجَهَتْهُ وُجُوهُ تِلْكَ البُدُورِ
                                                                    أللّوَاتي يَنْظُرْنَ بالنّظَرِ الفَا
                                                                            تِرِ مِنْ أعْيُنِ الظّبَاءِ الحُورِ
                                                                    يَتَبَسّمْنَ مِنْ وَرَاءِ شفوف الـ
                                                                            ـرّيْطِ عَنْ بَرْدِ أُقْحُوَانِ الثّغُورِ
                                                                    وَيُسارِقْنَ، والرّقِيبُ قَرِيبٌ،
                                                                            لَحَظاتٍ يُعْلِنّ سِرّ الضّمِيرِ
                                                                    شَغَلَ الحَمْدَ والثّنَاءَ جَميعاً،
                                                                            عن جَميعِ الوَرَى، نَوَالُ الأميرِ
                                                                    وإذا ما استهلّ بالحَسَنِ الجُو
                                                                            دُ، فإنّ الكَثيرَ غَيرُ كَثِيرِ
                                                                    مَلِكٌ عِنْدَهُ، على كلّ حالٍ،
                                                                            كَرَمٌ زَائِدٌ على التّقديرِ
                                                                    فَكَأنّا مِنْ وَعْدِهِ وَجَدَاهُ،
                                                                            أبَداً، بَينَ رَوْضَةٍ وَغَديرِ
                                                                    جامعُ الرّأيِ، لَيْسَ يَخفى عَلَيهِ
                                                                            أينَ وَجْهُ الصّوَابِ، في التّدبيرِ
                                                                    تَتَفادَى الخُطُوبُ مِنْهُ، إذا ما
                                                                            كَرّ فيهَا برَأيِهِ المَنْصُورِ
                                                                    قَهَرَ الدّهْرَ، أوّلاً وأخيراً،
                                                                            بحجًى مِنْهُ أوّلٍ وأخِيرِ
                                                                    فَلَهُ، كُلّما أتَتْهُ أُمُورٌ
                                                                            مُشكِلاتٌ، دَلائِلٌ من أُمُورِ
                                                                    كِسرَوِيٌّ عَلَيْهِ مِنْهُ جَلالٌ،
                                                                            يَمْلأُ البَهْوَ مِنْ بَهَاءٍ وَنُورِ
                                                                    وَتَرَى في رُوَائِهِ بَهْجَةَ الملْـ
                                                                            ـكِ، إذا ما استَوْفَاهُ صَدرُ السِّرِيرِ
                                                                    وإذا ما أشَارَ هَبّتْ صَبَا المِسْـ
                                                                            ـكِ، وَخِلتَ الإيوَانَ من كافُورِ
                                                                    يُطلِقُ الحِكمَةَ البَليغَةَ في عَرْ
                                                                            ضِ حَديثٍ، كاللّؤلؤِ المَنثُورِ
                                                                    يا ابنَ سَهْلٍ، وأنْتَ غَيرُ مُفيقٍ
                                                                            مِنْ بِنَاءِ العَلياءِ، أُخرَى الدّهورِ
                                                                    إنّ للمِهْرَجَانِ حَقّاً عَلَى كُلّ
                                                                            كَبيرٍ مِنْ فارِسٍ وَصَغِيرِ
                                                                    عيدُ آبَائِكَ المُلُوكِ ذوِي التّيـ
                                                                            ـجانِ أهلِ النّهَى، وأهلِ الخيرِ
                                                                    مِنْ قُباذٍ، وَيَزْدَجِرْدَ، وَفَيْرُو
                                                                            زَ، وكسرَى، وَقبْلِهِمْ أرْدَشِيرِ
                                                                    شاهَدوهُ في حَلْبَةِ الملْكِ يَغدو
                                                                            نَ عَلَيْهِ في سُنْدُسٍ وَحَرِيرِ
                                                                    عظموه ووقوروه ومحقو
                                                                            ق بفضل التعظيم والتوقير
                                                                    هُوَ يَوْمٌ، وَفيهِ مِنْ كُلّ شهرٍ
                                                                            خُلُقٌ، فَهْوَ جامعٌ للشّهُورِ
                                                                    بعدتْ فيهِ الشّعرَى من الجـو في
                                                                            الحكم، فَلا مُوقِدٌ لِنَارِ الهَجِيرِ
                                                                    وَكَأنّ الأيّامَ أُوثِرَ بالحُسْـ
                                                                            ـنِ عَلَيها ذو المِهْرَجَانِ الكَبيرِ
                                                                    فأرِحْ فيهِ مِنْ مُبَاشَرَةِ المَجْـ
                                                                            ـدِ بِلَهْوٍ مِنْ غَيْرِهِ، أوْ سُرُورِ
                                                                    غَيرَ أنّي أرَاكَ لَسْتَ بِغَيْرِ الـ
                                                                            ـمَجْدِ أُخْرَى الأيّامِ بالمَسْرُورِ
                                                                    سَرّكَ الله في جَمِيعِ الأُمُورِ،
                                                                            وَوقاكَ المَحذورَ بالمَحْذُورِ