من عذيري من الظباء الغيد - البحتري
مَنْ عَذِيرِي مِنَ الظّبَاءِ الغِيدِ،
                                                                            وَمُجِيرِي مِنْ ظُلْمِهِنّ العَتِيدِ
                                                                    إنّ سِحْرَ العُيُونِ ضَلّلَ لُبّي،
                                                                            وَحَمَاني الرُّقَادَ وَرْدُ الخُدُودِ
                                                                    والأمَانِيُّ مَا تَزَالُ تُعَنّيـ
                                                                            ـنَا بِبُخْلٍ مِنَ الغَوانِي، وَجُودِ
                                                                    وَمِنَ العَيشِ لَو يُساعِدُ عَيشٌ
                                                                            أنْ يَجِيءَ الوِصَالُ، بَعدَ الصّدُودِ
                                                                    وَبنَفْسي التي تَوَلّتْ بِنَفْسي،
                                                                            ثُمّ ضَنّتْ بالنَّيلِ مِنْهَا الزّهيدِ
                                                                    بَعِدَتْ دارُها، فَمَا من تَلاَقٍ،
                                                                            غيرَ طَيفٍ يَزُورُني في الهُجُودِ
                                                                    أتُرَاهَا دامَتْ على العهد أمْ مِنْ
                                                                            عادَةِ الغَانِيَاتِ نَقْضُ العُهُودِ
                                                                    أوْ تُرَاني مُلاقِياً مِنْ قَرِيبٍ
                                                                            سَكَناً لي، أشْتَاقُهُ مِنْ بَعِيدِ
                                                                    ألإمَامُ المُعْتَزُّ بالله أوْلَى
                                                                            هاشِمِيٍّ بِالنَّصْرِ والتّأيِيدِ
                                                                    وارِثُ البُرْدِ والقَضِيبِ وَحُكمِ
                                                                            الله في كُلّ سَيّدٍ وَمَسُودِ
                                                                    طَابَ نَفْساً وأُمّهَاتٍ وَآبَا
                                                                            ءً، وأرْبَى فَضِيلَةً في الجُدُودِ
                                                                    عَزَمَاتُ المَنْصُورِ مَصْرُوفَةُ السُّبـ
                                                                            ـلِ إلَيْهِ، وَمَكْرُمَاتُ الرّشِيدِ
                                                                    في المَحَلّ الجَليلِ مِنْ سَلَفَيْ عَبْـ
                                                                            ـدِ مَنافٍ، والسُّؤدَدِ المَرْفُودِ
                                                                    مَلِكٌ يَمْلأُ العُيُونَ بَهَاءً،
                                                                            حينَ يَبْدُو في تَاجِهِ المَعْقُودِ
                                                                    بَرِىءَ الله مِنْ مُحِلّ حَرِيمِ الله،
                                                                            كُفْراً، وَبَيْتِهِ المَقْصُودِ
                                                                    لمْ يَكُنْ سَعْيُهُ هُنَاكَ بمَرْضِيٍّ،
                                                                            وَلاَ كَانَ أمْرُهُ بِرَشِيدِ
                                                                    غَيرَ أنّ القُلُوبَ سُكّنَ مِنْهَا
                                                                            أنْ أتَانَا مُصَفَّداً في الحَديدِ
                                                                    عالماً أنّ رَايَةَ النّصْرِ لا تُرْ
                                                                            فَعُ إلا مَعَ البُنُودِ السّودِ
                                                                    وَمُقرّاً أنّ الخَليفَةَ مَنْصُو
                                                                            رٌ برُكْنٍ، منَ المَوَالي، شَديدِ
                                                                    لا يُهَالُونَ منْ عَدُوٍّ وَلاَ يُؤ
                                                                            تَوْنَ منْ عُدّةٍ، وَلاَ من عَديدِ
                                                                    بَارَكَ الله للخَليفَةِ في الفَتْـ
                                                                            ـحِ الجَنُوبيّ، والبنَاءِ الجَدِيدِ
                                                                    خَبَرٌ مُبْهِجٌ، وَبُنْيَانُ يُمْنٍ
                                                                            في مُنيفٍ، عندَ السِّماكِ، مَشيدِ
                                                                    فَوْقَ صَرْحٍ مُمَرَّدٍ منْ قَوارِيـ
                                                                            ـرَ، غَرِيبِ التّأليفِ والتّمرِيدِ
                                                                    لَوْ بَدَا حُسْنُهُ لجِنّ سُلَيْمَا
                                                                            نَ لخَرّوا منْ رُكّعٍ، وَسُجُودِ
                                                                    قَدْ عَدَدْنا اليَوْمَ الذي جئتَهُ فيـ
                                                                            ـهِ، لإفرَاطِ حُسْنِهِ، يَوْمَ عيدِ
                                                                    زُرْتَهُ تِلْوَ غُرّةِ الشّهْرِ بالطّيْـ
                                                                            ـرِ المَيَامِينِ والنّجُومِ السّعُودِ
                                                                    في زَمَانٍ كأنّ نَرْجِسَهُ الغَضّ
                                                                            سُمُوطٌ منْ لُؤلُؤٍ وَفَرِيدِ
                                                                    بَينَ نَوْرٍ منَ الرّبيعِ يُحَيّيـ
                                                                            ـكَ، وَعَهْدٍ، منَ الشّتاءِ، حَمِيدِ
                                                                    فابقَ يَبقَ العَفافُ والحلمُ، وَاسلَمْ
                                                                            يَسلَمِ العُمْرُ للنّدَى، والجُودِ
                                                                    وَعَلَى الله أنْ يُمِدّكَ فينَا
                                                                            بتَمَامِ النُّعمَى، وحُسنِ المَزِيدِ