وصل تقارب منه ثم تباعد - البحتري

وَصْلٌ تُقَارِبُ مِنْهُ ثُمّ تُبَاعِدُ،
وَهَوًى تُخالِفُ فيهِ، ثُمّ تُسَاعِدُ

وَجَوًى، إذا ما قَلّ عَاوَدَ كُثْرُهُ
بمُلِمّ طَيْفٍ، مَا يَزَالُ يُعَاوِدُ

ما ضَرّ شَائِقَةَ الفُؤادِ لَوَ انّهُ
شُفيَ الغَليلُ، أوِ استَبَلّ الوَارِدُ

بَخُلَتْ بِمَوْجُودِ النّوَالِ، وَإنّما
يَتَحَمّلُ اللّوْمَ البَخيلُ الواجِدُ

أسْقَى محَلّتَكَ الغَمامُ، وَلا يَزَلْ
رَوْضٌ بها خَضِرٌ، وَنَوْرٌ جَاسِدُ

فَلَقَدْ عَهِدْتُ العَيشَ في أفْنَانِها
فَيْنَانَ يَحْمَدُ مُجْتَنَاهُ الرّائِدُ

عَطَفَ ادّكارُكَ يَوْمَ رَامَةَ أخدَعي
شَوْقاً، وَأعناقُ المَطيّ قَواصِدُ

وَسرَى خَيالُكَ طارِقاً، وَعلى اللّوَى
عِيسٌ مُطَلَّحَةٌ، وَرَكْبٌ هَاجِدُ

هَلْ يُشكَرُ الحَسَنُ بنُ مَخلَدٍ الذي
أوْلاهُ مَحْمُودُ الثَنَاءِ الخالِدُ

بَلَغَتْ يَداهُ إلى التي لمْ أحْتَسِبْ،
وَثَنَى لأُخْرَى، فهُوَ بَادٍ عَائِدُ

هُوَ وَاحِدٌ في المَكْرُماتِ، وإنّما
يَكْفيكَ عادِيَةَ الزّمَانِ الوَاحِدُ

غَنِيَتْ بِسُؤدَدِهِ مَرَازِبُ فَارِسٍ،
هَذا لَهُ عَمٌّ، وهذَا وَالِدُ

وَزَرُ الخِلافَةِ، حينَ يُعضِلُ حادِثٌ،
وَشِهَابُها في المُظْلِماتِ الواقِدُ

ألْمَذْهَبُ الأَمَمُ الذي عُرِفَتْ لَهُ
فيهِ الفَضِيلَةُ، وَالطّرِيقُ القَاصِدُ

وَليَ الأُمُورَ بِنَفْسِهِ، وَمَحَلُّها
مُتَقَارِبٌ، وَمَرَامُها مُتَباعِدُ

يَتَكَفّلُ الأدْنَى، وَيُدرِكُ رَأيَهُ الـ
أقْصَى، وَيَتْبَعُهُ الأبيُّ العَانِدُ

إنْ غَارَ، فَهُوَ مِنَ النّبَاهَةِ مُنجدٌ،
أوْ غابَ، فَهُوَ مِنَ المهَابَةِ شَاهِدُ

فَقَدِ اغتَدَى المُعوَجُّ، وَهْوَ مُقَوَّمٌ
بيَدَيهِ، وَاسْتَوْفَى الصّلاحَ الفاسِدُ

مَلَكَ العُداةَ، وَأسْجَحَتْ آرَاؤهُ
فيهِمُ، وَعُمّمَ فَضْلُهُ المُترَافِدُ

نِعَمٌ يُصِيخُ لِطَوْلِهِنّ المُزْدَهِي،
وَيُقِرُّ، مُعترِفاً بهِنّ، الجاحِدُ

عَفْوٌ كَبَتَّ بهِ العَدُوّ، وَلمْ أجِدْ
كالعَفْوِ غِيظَ بهِ العَدُوُّ الحَاسدُ

حتّى لَكَانَ الصّفْحُ أثْقَلَ مَحمَلاً
مِمّا تُخَوّفَهُ المُسيءُ العَامِدُ

قَدْ قُلْتُ للسّاعي عَلَيْكَ بكَيْدهِ:
سَفَهاً لرَأيِكَ مَنْ أرَاكَ تُعَانِدُ

أوْفَى، فأعشَاكَ الصّباحُ بضَوْئِهِ،
وَجَرَى، فَغَرّقَكَ الفُرَاتُ الزّائِدُ