غرام ما أتيح من الغرام - البحتري
غَرَامٌ ما أُتيحَ مِنَ الغَرَامِ،
                                                                            وَشَجْوٌ للمُحِبّ المُسْتَهَامِ
                                                                    عَشيتُ عن المَشيبِ، غَداةَ أصْبو،
                                                                            بذِكْرِكَ أوْ صَمَمْتُ عَنِ المَلاَمِ
                                                                    أيا قَمَرَ التّمامِ أعَنْتَ، ظُلْماً،
                                                                            عَليّ تَطَاوُلَ اللّيْلِ التّمَامِ
                                                                    أمَا وَفُتُورِ لحظِكَ، يَوْمَ أبْقَى
                                                                            تَصرفُهُ فُتُوراً في عِظَامي
                                                                    لَقَدْ كَلّفْتَني كَلَفاً أُعَنّى
                                                                            بهِ، وَشَغَلْتَني عَمّا أمَامي
                                                                    سَيَقْتُلُ في المَسِيرِ، إذا رَحَلْنا،
                                                                            غَليلٌ كانَ يُمرِضُ في المَقامِ
                                                                    أسَاءَ لَهيبُ خَدٍّ مِنكَ تُدْمي
                                                                            مَحَاسِنُهُ بقَلْبٍ، فيكَ، دامِ
                                                                    أُعِيذُكَ أنْ يُرَاقَ دَمٌ حَرَامٌ
                                                                            بذاكَ الدّلّ، في شَهْرٍ حَرَامِ
                                                                    مُحَمّدُ، يا بنَ عَبدِالله، لَوْلا
                                                                            نَداكَ لفَاضَ مَعرُوفُ الكِرَامِ
                                                                    وَمَا لِلنَّجْمِ إلاّ طَوْلُ قَوْمٍ،
                                                                            بِهِمْ تَسْمُو بفَخْرِكَ، أوْ تُسامي
                                                                    لَكُمْ بَيتُ الأعَاجِمِ، حَيثُ يُبنَى،
                                                                            وَمُفْتَخَرُ المَرَازِبَةِ العِظَامِ
                                                                    يَلُومُكَ في النّدَى مَنْ لم يُوَرَّثْ
                                                                            عٌُلاَ الشّرَفِ الذي عَنْهُ تُحامي
                                                                    فِداؤكَ صاحبُ النّسَبِ المُعَمّى،
                                                                            مِنَ الأقْوَامِ، والخُلُقِ الكَهامِ
                                                                    فما استَجْديتَ، إلاّ جئْتَ عَفواً
                                                                            كفَيضِ البَحْرِ، أوْ صَوْبِ الغَمامِ
                                                                    وَكَمْ مِنْ سُؤدَدٍ غَلَسْتَ فيهِ،
                                                                            وَلَمْ تَرْبَعْ عَلَى النّفَرِ النّيَامِ
                                                                    أرَاجِعَتي يَداكَ بأعْوَجيٍّ،
                                                                            كقِدْحِ النّبعِ في الرّيشِ اللُّؤامِ
                                                                    بأدْهَمَ كالظّلامِ، أغَرَّ يَجْلُو،
                                                                            بِغُرّتِهِ، دَيَاجِيرَ الظّلامِ
                                                                    تَقَدّمَ في العِنَانِ، فَمَدّ مِنْهُ
                                                                            وَضَبّرَ، فاستَزَادَ منَ الحِزَامِ
                                                                    تَرَى أحْجَالَهُ يَصْعَدْنَ فيهِ
                                                                            صُعُودَ البرْقِ، في الغَيمِ الجَهامِ
                                                                    وَمَا حَسَنٌ بأنْ تُهديهِ فَذّاً،
                                                                            سَليبَ السّرْجِ، مَنْزُوعَ اللّجامِ
                                                                    فأتْمِمْ ما مَنَعْتَ بهِ، وأَفْضِلْ،
                                                                            فَمَا الإِفضالُ إلاّ بالتّمامِ