لي حبيب قد لج في الهجر جدا - البحتري

لي حَبيبٌ قَدْ لَجّ في الهَجْرِ جِدّا،
وأعَادَ الصّدودَ مِنْهُ وأبْدَا

ذُو فُنُونٍ، يُرِيكَ في كلّ يَوْمٍ
خُلُقاً من جَفَائِهِ، مُسْتَجَدّا

يَتَأبّى مُنْعماً، ويُنْعِمُ إسْعَا
فاً، ويَدْنُو وَصْلاً، وَيَبعَدُ صَدّا

أغْتَدِي رَاضِياً، وَقَدْ بِتُّ غَضْبَا
نَ، وأُمْسِي مَوْلًى، وأُصْبِحُ عَبدَا

وَبنَفْسِي أفْدي، عَلى كلّ حَالٍ،
شَادناً لَوْ يُمَسُّ بالحُسنِ أعْدَى

مَرّ بي خالِياً، فأطمَعَ في الوَصْـ
ـلِ، وعَرّضْتُ بالسّلامِ، فَرَدّا

وَثَنَى خَدَّهُ إليّ، عَلى خَوْ
فٍ، فَقَبّلْتُ جُلَّنَاراً وَوَرْدا

سَيّدي أنْتَ! ما تَعَرَّضْتُ ظُلْماً،
فأُجَازَى بهِ، وَلاَ خُنْتُ عَهْدا

رِقَّ لي مِنْ مَدَامِعٍ لَيسَ تَرْقَا،
وارْثِ لي مِنْ جَوَانحٍ ليسَ تَهدَا

أتُرَاني مُستَبْدِلاً بِكَ مَا عِشْـ
ـتُ بَديلاً، وْوَاجِداً منكَ بِدّا

حَاشَ لله أنتَ أفْتَنُ ألحا
ظاً، وأحلى شَكلاً، وأحسنُ قَدّا

خَلَقَ الله جَعْفَراً قَيّمَ الدّنْـ
ـيا سَداداً، وَقَيّمَ الدّين رُشْدا

أكْرَمُ النّاسِ شِيمَةً، وأتَمُّ النّا
سِ خَلْقاً، وأكثرُ النّاسِ رِفْدا

مَلِكٌ حَصّنَتْ عَزِيمَتُهُ المِلْـ
ـكَ، فأضْحَتْ لَهُ مَعَاناً، وَرَدّا

أظْهَرَ العَدْلَ، فاستَنَارَتْ بهِ الأرْ
ضُ، وعَمَّ البِلاَدَ غَوْراً وَنَجْدَا

وَحَكَى القَطْرَ، بَلْ أبَرَّ عَلَى القَطْـ
ـرِ، بكَفٍّ على البرِيّةِ تَنْدَى

هُوَ بَحْرُ السّماحِ، والجُودِ، فازْدَدْ
مِنْهُ قُرْباً، تَزْدَدْ من الفَقْرِ بُعْدا

يا ثِمَالَ الدّنْيَا عَطَاءً وَبَذْلاً،
وَجَمَالَ الدّنْيَا سَنَاءً وَمَجْدَا

وَشَبيهَ النّبيّ خَلْقاً وَخُلْقاً،
وَنَسيبَ النّبيّ جَدّاً، فَجَدّا

بِكَ نَسْتَعْتِبُ اللّيَالِي، وَنَسْتَعْـ
ـدِي عَلَى دَهْرِنَا المُسِيءِ، فَنُعْدَى

فَابْقَ عُمْرَ الزّمانِ، حتّى نُؤدّي
شُكْرَ إحْسَانِكَ الذي لا يُؤدّى