عزمت على المنازل أن تبينا - البحتري
عَزَمْتُ عَلى المَنَازِلِ أنْ تَبينَا،
                                                                            وَإنْ دُمْنَ بَلِينَ كمَا بَلِينَا
                                                                    نُمَتَّعُ مِنْ تَداني مَنْ قَلِينَا،
                                                                            وَنُمْنَعُ مِنْ تَداني مَنْ هَوينَا
                                                                    فََكَمْ مِنْ مُنتَوًى لَهُمُ لوَ انّا
                                                                            نُعَاني مُرّهُ حِيناً، فَحِينَا
                                                                    جَمَعْنَا مِنْ لَيَاليهِ شُهُوراً،
                                                                            وَمِنْ أعْدادِ أشْهُرِهِ سِنِينَا
                                                                    نُليحُ مِنَ الغَرَامِ، إذا اعْتَرَانا،
                                                                            وَأبْرَحُ مِنْهُ ألاّ يَعْتَرِينا
                                                                    وَمِنْ سُقْمٍ مَبيتُ المَرْءِ خِلواً،
                                                                            بلا سُقْمٍ يَبيتُ لَهُ، وَهِيَنا
                                                                    شَرِكْنَا العِيسَ ما نَدَعُ التّصَابي
                                                                            لوَاحدَةٍ، وما تَدَعُ الحَنِينا
                                                                    إذا بَدأتْ لَنَا أُسْلُوبَ شَوْقٍ،
                                                                            رَأيْنَا في التَّصَابيِ مَا تُرِينَا
                                                                    بعُمْرِكَ كَيفَ نَرْضَى مَا أبَانَا
                                                                            منَ الدّنْيَا، وَنَسخَطُ ما رَضِينَا
                                                                    عَنَانا مَا عَسَاهُ يُزَالُ عَنّا،
                                                                            وَأنْصَبَنَا تَكَلُّفُ ما كُفِينَا
                                                                    يُقَيَّضُ للحَرِيضِ الغَيْظُ بَحْتاً،
                                                                            وَتَتَجِهُ الحُظُوظُ لمَنْ قُضِينَا
                                                                    وَما هوَ كائنٌ، وَإنِ استَطَلْنَا
                                                                            آلَيْه النّهْجَ، يوشكُ أنْ يكونَا
                                                                    فَلا تُغْرَرْ مِنَ الأيّامِ، وَانظُرْ
                                                                            إلى أقْسَامِها عَمّنْ زَوَيْنَا
                                                                    كَلِفتُ بنُجحِ سارِيَةِ المَطايا،
                                                                            إذا أسْرَتْ إلى أذْكُوتِكِينَا
                                                                    إلى خَوْفِ العِدَى، حتّى يَبيتُوا
                                                                            عَلى ضِغْنِ، وَأمْنِ الخائِفِينَا
                                                                    فتَى الفِتيَانِ، عَارِفَةً وَبأساً،
                                                                            وَخَيرُ خِيارِهمْ، دُنْيا وَدِينَا
                                                                    أبَاحَ حِمَى الدّيالِمِ في حُرُوبٍ،
                                                                            سَقَتْ هِيمَ القَنَا، حتّى رَوِينا
                                                                    إذا طَلَبُوا لها الأشْبَاهَ كَانَتْ
                                                                            غَرَائبَ ما سُمِعْنَ، وَلا رُؤيَنا
                                                                    وأعْهَدُ أرْضهِمْ أعْدَى سِبَاعاً،
                                                                            وَآشَبُ عِنْدَ عادِيَةٍ عَرِينَا
                                                                    فتِلْكَ جِبَالُها عَادَتْ سُهُولاً،
                                                                            وَكانَتْ قِبْلَ مَغزَاهُ حُزُونَا
                                                                    وَكانُوا جَمْعَ مَملَكَةٍ، فالُوا
                                                                            طَوائِفَ في مَخابيهِمْ عَزِيَنا
                                                                    وَلمْ يَنْجُ ابنُ جِسْتَانٍ لِشَيْءٍ،
                                                                            سِوَى الأقْدارِ غَالَبَتِ المَنُونا
                                                                    وَكَمْ مِنْ وقعَةٍ قَدْ رَامَ فيها
                                                                            ظُهُورَ الأرْضِ، يَجعَلُها بُطونَا
                                                                    يَصُدُّ عَنِ الفَوَارِسِ صَدَّ قالٍ
                                                                            عَنِ العَشَرَاتِ، يَحسَبُها مِئينَا
                                                                    يُلاوِذُ، وَالأسِنّةُ تَدّرِيهِ،
                                                                            شِمَالاً، حيثُ وُجّهَ، أوْ يَمينَا
                                                                    سَمَا لبَوَارِهِ حِرْقٌ، إذا مَا
                                                                            سَمَا للصّعْبِ أوْجبَ أنْ يَهُونَا
                                                                    أبُو حَسَنٍ، وَمَا للدّهرِ حَليٌ
                                                                            سوَى آثَارِهِ الحَسَنَاتِ فِينَا
                                                                    يَقِلُّ النّاسُ أنْ يَتَقَيّلُوهُ،
                                                                            وَأنْ يَدْنُوا إلَيْهِ مُشاكِلينَا
                                                                    وَظَنُّكَ بالضّرَائبِ أنْ تُكَافَا،
                                                                            كَظَنّكَ بالأصَابعِ يَسْتَوينَا
                                                                    وَلمْ أرَ مِثْلَهُ حَشدَتْ عَلَيْهِ
                                                                            صُرُوفُ الدّهْرِ أبْكاراً وَعُونَا
                                                                    أقَرَّ عَلى نُزُولِ الخَطْبِ جَاشاً،
                                                                            وَأوْضَحَ تَحْتَ حَادِثَةٍ جَبِينَا
                                                                    نَسِينَا ما عَهِدْنا، غَيرَ أنّا
                                                                            يُذكّرُنَا نَداهُ مَا نَسِينَا
                                                                    وَلَوْلا جُودُهُ البَاقي عَلَيْنَا،
                                                                            لَكَانَ الجُودُ أنْفَسَ ما رُزِينَا
                                                                    أُعِينَ على مُكَايَدَةِ الأعادِي،
                                                                            مِنِ ابنِ الشَّلْمَغانِ، بِما أُعِينَا
                                                                    بأزْهَرَ مِنْ بَني سَاسَانَ يَلْقَى
                                                                            بهِ اللاّقُونَ عِلْقَهُمُ الثّمِينا
                                                                    تَقَصّرَ عَنْ مِثَال يَدَيْهِ عِلْماً،
                                                                            فقَصْرُكَ أنْ تَظُنّ بهِ الظّنُونَا
                                                                    وَما هوَ غَيرُ خوْضِ الشّكّ ترْمي
                                                                            إلَيهِ، حَيثُ لا تَجِدُ اليَقينَا
                                                                    وقَدْ صَلُبَتْ على ظَنّ المُنَاوِي
                                                                            قَنَاةٌ، آيَسَتْ مِنْ أنْ تَلِينَا
                                                                    وَلَمّا كَشّفَتْهُ الحَرْبُ أعْلَى
                                                                            لهَا لهَباً، يَهُولُ المُوقِدِينَا
                                                                    تُرِيكَ السّيفَ هَيْبَتُهُ مُذالاً،
                                                                            وَيُكنَى عَنْ حَقيقَتِها مَصُونَا
                                                                    مُثَبِّتُ نِعْمَةٍ ، ومُزِيلُ أَخْرَى
                                                                            إِذا أَمَرتْ عَوَاذِلَهُ عُصِينَا
                                                                    تَتَبّعَ فائِتَاتِ الخيرِ، حتّى
                                                                            ونُثِْري رَوَاجِعاً عَمّا طُوينَا
                                                                    يَرَى دُوَلَ الصّلاحِ بعَينِ رَاعٍ،
                                                                            يَكَادُ يُعيدُهُنّ كَمَا بُدِينَا
                                                                    متى لم يَزْكُ في العَرَبِ ارْتِيادي،
                                                                            حَطَطْتُ إلى رِباعِ الأعجَمينَا
                                                                    نُوَالي مَعْشَراً قَرُبُوا إلَيْنا
                                                                            وَنَشْرَى مِنْ تَطَوّلِ آخَرِينا
                                                                    وَقُرْبَى الأبْعَدينَ، بِما أنَالُوا،
                                                                            تََخُصُّكَ دونَ قُرْبَى الأقْرَبينَا
                                                                    بَنُو أعْمَامِنا الدّانُونَ مِنّا،
                                                                            وَوَاهِبَةُ النّوَالِ بَنُو إبِينَا