من سائل لمعذر عن خطبه - البحتري
مَنْ سَائِلٌ لمُعَذَّرٍ عَنْ خَطْبِهِ،
                                                                            أوْ صَافِحٌ لمُقَصِّرٍ عَنْ ذَنْبِهِ
                                                                    حُمّلتُ للحَسَنِ بنِ وَهبٍ نعمةً،
                                                                            صعبت على ذُلّ الثّنَاءِ وصَعْبِهِ
                                                                    وَوَعَدْتُهُ أنّي أقُومُ بِشُكْرِها،
                                                                            فحَمَلْتُ منهُ نقى فلَم أنهَضْ بهِ
                                                                    إلاّ أكُنْ كلفْتُ منهُ يَذْبُلاً،
                                                                            فَلَقَدْ مُنيتُ بخِدْنِهِ، أوْ تِرْبِهِ
                                                                    ما أضْعَفَ الإنْسَانَ إلا هِمّةٌ
                                                                            في نُبْلِهِ، أو قُوّةٌ في لُبّهِ
                                                                    مَنْ لا يُؤدّي شُكْرَ نعْمَةِ خِلّهِ،
                                                                            فمَتى يُؤدّي شُكْرَ نِعمَةِ رَبّهِ
                                                                    وَهَبَ ابنُ وَهْبٍ وَفرَه، حتى لقَدْ
                                                                            أوْفَى على شَرْقِ الثّنَاءِ، وَغَرْبهِ
                                                                    سَبّاقُ غاياتٍ، إذا طَلَبَ المَدى
                                                                            برَسيلِهِ، فعَدُوُّهُ مِنْ حِزْبِهِ
                                                                    وَإذا تَقَسّمَ قَبَرَ عَمْروٍ في بني الـ
                                                                            ـدّيّان صَارَ إلَيْهِ أزْكَى تُرْبِهِ
                                                                    إن شئت أنْ تدَعَ الفَعالَ لأهْلِهِ،
                                                                            فاعرِضْ لمَجدِ سعيدِه، أوْ وَهبِهِ
                                                                    تلكَ الخُصُوصُ فإن عمَمتَ أمدَّها
                                                                            برَبيعَتَيْهِ، وَحارِثَيْهِ، وَكَعبِهِ
                                                                    صِيدٌ لأصْيدَ، لَستَ تُبصرُ جمرَةً
                                                                            فيه النّاسِ لم تكُ قَطَرةً في صُلبِهِ
                                                                    عَرَفَ العَوَاقبَ فاستفادَ مكارِماً،
                                                                            يفَنىَ الزّمانُ، وَذِكْرُها في عَقْبِهِ
                                                                    وَكَفَى الكَرِيمَ بهَؤلاءِ مَكارِماً
                                                                            مأثُورَةً في سِلْمِهِ، أوْ حَرْبِهِ
                                                                    وَإذا استَهَلّ أبُو عَليٍّ للنّدَى،
                                                                            جَاءَ الغَمامُ المُسْتَهِلُّ بسَكْبِهِ
                                                                    وَإذا تَألّقَ في النّدَى كَلامُهُ الـ
                                                                            ـمَصْقولُ خلتَ لسانَه من عَضْبِهِ
                                                                    وَإذا احتَبَى في عُقدَةٍ من حِلمِهِ
                                                                            يَوْماً، رَأيتَ مُتالِعاً في هَضْبِهِ
                                                                    وَإذا دَجَتْ أقْلامُهُ ثمّ انتَحَتْ،
                                                                            بَرَقَتْ مَصَابيحُ الدّجى في كُتْبِهِ
                                                                    باللّفْظِ يَقرُبُ فَهْمُهُ في بُعْدِهِ
                                                                            مِنْا، وَيَبْعُدُ نَيْلُهُ في قُرْبِهِ
                                                                    حِكَمٌ، فَسائحُهَا خلالَ بَنانِهِ
                                                                            مُتَدَفِّقٌ، وَقَليبُها في قَلْبِهِ
                                                                    كالرّوْضِ مُؤتَلِقاً بحُمرَةِ نَوْرِهِ
                                                                            وَبَياضِ زَهْرَتِهِ وَخُضرَةِ عُشبِهِ
                                                                    أوْ كالبُرُودِ تُخُيّرَتْ لمُتَوَّجٍ
                                                                            مِن خالِه، أوْ وَشيِهِ، أوْ عَصْبِهِ
                                                                    وَكأنّها، وَالسّمْعُ مَعقُودٌ بهَا،
                                                                            شَخصُ الحَبيبِ بَدا لعَينِ مُحبّهِ
                                                                    كاثَرْتُهُ، فإذا المُرُوءَةُ عِندَهُ
                                                                            تُعدي المُفاوِضَ من أقاصِي صَحبِهِ
                                                                    وَوَجَدْتُ في نَفسِي مَخايلَ سؤددٍ،
                                                                            إنْ كُنتُ يَوْماً وَاحداً من شَرْبِهِ
                                                                    فصَبَغتُ أخْلاقي برَوْنَقِ خُلْقِهِ،
                                                                            حتى عَدَلْتُ أُجَاجَهُنّ بعَذْبِهِ
                                                                    قَوْمي فِداؤكَ قَد أضَاءَ لناظِري
                                                                            بك كلُّ منكَسِفِ الأصِيلِ، مُضِبّه
                                                                    في كُلّ يَوْمٍ مِنّةٌ مَا بَعْدَهَا
                                                                            مَنٌّ، يُعَابُ الصّادِرُونَ بغِبّهِ
                                                                    كَمْ آمِرٍ ألاّ تَجُودَ، وَعَاتِبٍ
                                                                            في أنْ تَجودَ، أبَتَّهُ في عَتْبِهِ