هذي المعاهد من سعاد فسلم - البحتري

هذي المَعاهِدُ مِنْ سُعَادَ، فَسَلِّمِ،
واسألْ، وإنْ وَجَمتْ، وَلم تَتَكَلّمِ

آيَاتُ رَبْعٍ قَد تَأبّدَ، مُنْجِدٍ،
وَحُدُوجُ حيٍّ، قَد تَحَمّلَ، مُتْهِمِ

لَؤمٌ بِنَارِ الشّوْقِ، إنْ لم تَحْتَدِمْ،
وَخَسَاسَةٌ بالدّمعِ إنْ لمْ يَسْجُمِ

وَبِمَسْقَطِ العَلَمينِ ناعِمَةُ الصّبَا،
حَيرَى الشّبابِ تَبينُ إنْ لمْ تَصرِمِ

بَيضَاءُ، تَكتُمُها الفِجَاجُ، وَخَلْفَها
نَفَسٌ يُصَعّدُهُ هوًى لمْ يُكْتَمِ

هَلْ رَكْبُ مَكّةَ حَامِلُونَ تحيّةً،
تُهْدَى إلَيْهَا مِنْ مُعَنًّى مُغْرَمِ

رَدَّ الجُفُونَ عَلى كَرًى مُتَبَدِّدٍ،
وَحَنَى الضّلُوعَ عَلَى جَوًى مُتَضَرّمِ

إنْ لمْ يُبَلّغْكَ الحَجيجُ، فلا رُمُوا
بالجَمْرَتَيْنِ، ولا سُقُوا من زَمزَمِ

وَمُنُوا بِرَائِعَةِ الفِرَاقِ، فإنّهُ
سِلْمُ السُّهَادِ وَحَرْبُ نَوْمِ النُّوّمِ

ألْوَى بأرْبَدَ عَنْ لَبيدٍ، واهتَدَى
لابْنَيْ نُوَيْرَةَ مالِكٍ وَمُتَمِّمِ

واغْتَرّ أهْلُ البَذّ في شُرُفَاتِهِمْ،
حتّى أصَابَهُمُ بسَيْفِ الهَيْثَمِ

في وَقْعَةٍ، وَلّيْتَ عَنّي حَدّها
بأجَشّ مِنْ زَجَلِ الحَديدِ مُلَملَمِ

نَزَلُوا، وَقَد كُرِهَ النّزَالُ، وَضَارَبُوا
جَنَبَاتِ أرْوَعَ، باللّوَاءِ مُعَمَّمِ

نَقَلَ الرِّجَالَ إلى الجِبَالِ فلَمْ يدَعْ
في هَضْبِ أرْشَقَ عُصْمَةً للأعصَمِ

وأزَارَ أرْضَ الرّومِ أطْرَافَ الظُّبا،
حَتّى أقَامَ مُلُوكَها في المَقْسِمِ

وَثَنَى إلى عَلْوِ الجَزِيرَةِ خَيْلَهُ،
مُتَمَطِّرَاتٍ في العَجَاجِ الأقْتَمِ

غُلْقاً عَلَى الشّرّ الذي لَمْ يَندَفِعْ،
عُجْلاً إلى الدّاءِ الذي لَمْ يُحْسَمِ

غَشِيَتْ قَنَاهُ النِّمْرَ، حتّى أوْجَفُوا
عَنَقاً على عَنَقِ الطّرِيقِ الأقْوَمِ

وَنَفَى الأرَاقِمَ أُفْعُوَانُ مَضِلَّةٍ،
يَفْرِي بِنَابَيْهِ قَمِيصَ الأرْقَمِ

قَارِي سِبَاعٍ، قَدْ لَغِبْنَ، حَوَائِمٍ
في نَقْعِهِ، وَمُضِيفُ طَيرٍ حُوَّمِ

يُدْني يَداً بَيْضاءَ يَختَلِطُ النّدَى
فيها إذا لَقِيَ الفَوَارِسَ بالدّمِ

وَيُعِزُّ جَانِبَهُ، فَيُظْلِمُ نَفْسَهُ
لِعُفاتِهِ بالجُودِ، إنْ لَمْ يُظْلَمِ

تَنْمِيهِ، مِنْ سَلَفَيْ غُنَيٍّ، أُسْرَةٌ
بِيضُ الوُجُوهِ إلى المَكَارِمِ تَنْتَمي

أهْلُ الحُبَى اللاّتي كأنّ بُرُودَها،
من حِلمِهِمْ، ضَمّتْ هِضَابَ يَلَملَمِ

وَمُؤرِّثُو النّارِ العَتيقَةِ لِلْقِرَى،
وَمُشَيِّدُو البَيْتِ الرّفيعِ الأقْدَمِ

جُدُدٌ مَكَارِمُهُمْ، كما بُدئتْ، وَهمْ
أعْلَى وأكْبَرُ مِنْ ضُبَيْعَةِ أضْجَمِ

صَحِبُوا الزّمَانَ الفَرْطَ، إلاّ أنّهُ
هَرِمَ الزّمَانُ وَعِزُّهُمْ لمْ يَهْرَمِ

شَغَلُوا عَلَى غَطَفَانَ شَأْساً فِي الْوَغى
وبَنُو جَذِيمَةَ شَاهِدُوهُ وحِذْيَمِ

لَوْ كُنتَ جَارَ بُيُوتِهِمْ لمْ تُهْتَضَمْ،
أوْ كُنْتَ طالبَ رِفدِهمْ لمْ تُعْدِمِ

مِنْ كُلّ أغْلَبَ، وِدُّهُ أنّ ابْنَهُ،
يَوْمَ الحِفاظِ، يَمُوتُ إنْ لمْ يُكْرِمِ

لا يَقْتُلِ الحُسّادُ أنْفُسَهُمْ، فَقَدْ
هَتَكَ الصّبَاحُ دُجَى الهَزِيعِ المُظلِمِ

غَنِيَتْ غَنِيّ بالذُّرَى مِنْ مَجْدِهَا،
وَقَبَائِلٌ بَينَ الحَصَى والمَنْسِمِ

فَقَعُوا عَلى أحْسَابِكُمْ وَهُبُوطِها،
وَدَعُوا العُلُوّ، فإنّهُ لِلأنْجُمِ

كَرُمَ ابنُ عُثْمَانٍ، فَما يَنفَكُّ من
مَالٍ مُهَانٍ عِنْدَ زَوْرٍ مُكْرَمِ

إنّا بَعَثْنا اليْعْمَلاَتِ، قَوَاصِداً
لِفنَائِكَ المَأنُوسِ قَصْدَ الأسهُمِ

مِيلَ الحَوَاجِبِ، والنّجُومُ كأنّها،
خَلَلَ الحَنَادِسِ، شُعْلَةٌ في أدْهَمِ

لَتَجُودَ عَنْ فَهْمٍ يَدَاكَ وَلَمْ يَجُدْ،
وإنِ استَهَلّ نَداهُ مَنْ لَمْ يَفْهَمِ

فاسْلَمْ عَلى عَوْدِ الخُطُوبِ وَبَدْئِها،
وإنِ اغْتَدَيتَ بِتَالِدٍ لمْ يَسْلَمِ

وَلَقَدْ جَرَيْتَ إلى المَعَالي سابِقاً،
فأخَذْتَ حَظّ الأوّلِ المُتَقَدِّمِ

وَكَبَا عَدُوُّكَ، حينَ رَامَ بكَ التي
تُخشَى، فقُلنا: لليَدينِ وللفَمِ