طاف الوشاة به فصد وأعرضا - البحتري
طافَ الوُشاةُ بهِ، فصَدّ وَأعْرَضَا،
                                                                            وَغَلا بهِ هَجْرٌ أمَضَّ، وَأرْمَضَا
                                                                    والحُبُّ شَكْوٌ، ما تزَالُ تَرَى بهِ
                                                                            كَبِداً مُجرَّحَةً وَقَلْباً مُحْرَضَا
                                                                    وَبِذي الغَضَا سَكَنٌ لِقَلْبِ مُتَيَّمٍ،
                                                                            حُنِيَتْ أضَالِعُهُ على جَمْرِ الغَضَا
                                                                    صَدْيانُ يُمْسي، وَالمناهِل جمّةٌ،
                                                                            كَثَباً يحَلأ عن ذَرَاها، مُجهَضا
                                                                    أنّى سَبِيلُ الغيّ منْكِ، وَقدْ نضَا
                                                                            مِنْ صِبْغِ رَيْعَانِ الشّبيبَةِ ما نضا
                                                                    يا ليْتَ شعري! هل يعودُ، كما بدا،
                                                                            زَمَنُ التّصَابي، أوْ يَجيءُ كما مضَى
                                                                    كانَتْ لَيالي صَبْوَةٍ، فتقَطّعَتْ
                                                                            أسْبابُها، وَأوَانُ لهْوٍ، فانْقضَى
                                                                    بأبي عليٍّ ذي العَلاءِ تَحَبّبَتْ
                                                                            أيام دَهْرٍ ، كان قبل مُبغَّضَا
                                                                    خُرْقٌ، يُزَجّي نَيْلَهُ لِعُفاتِهِ
                                                                            سَحّاً، إذا ما النّيْلُ كان تَبرُّضَا
                                                                    مُمْضَى العزِيمَةِ، لَوْ يُباشِرُ حَدّها،
                                                                            فَلّتْ غِرَارَيْهِ، الحُسامُ المُنْتَضَى
                                                                    ذَلَبَتْ مساعِيهِ الرّجالُ، فقصّرَتْ
                                                                            عَنْهُ، وَقَصْرُ رَسيلِهِ أن يَغْرِضَا
                                                                    هَلْ أنْتَ مُسْتَمِعٌ لِعُذرَةِ تائِبٍ
                                                                            مِنْ ذَنْبِهِ، مستوْهِبٍ منْكَ الرّضَا
                                                                    ما كانَ ما بلّغْتَ غيرَ تَسَرّعٍ
                                                                            مِن نابِلِ، ذكَرَ الوَفاءَ، فأنْبضَا
                                                                    بَدَرَاتُ مَوْتورٍ، وَهَفْوَةُ مُحْرَجٍ،
                                                                            أكْنَى عن التّصريحِ فيكَ، فعَرّضَا
                                                                    فعَلامَ أمنحُكَ الوِصَالَ مُقارِباً
                                                                            جُهْدي، وتَحْبوني القطيعةَ مُعرِضَا
                                                                    أدْنُو وَتَبْعُدُ في الوِصَالِ مُنَكِّباً
                                                                            عَنّي، وَتِلْكَ قضِيّةٌ لا تُرْتضَى
                                                                    فتغَمّدَنْ بالصّفْحِ هَفْوَةَ مُذنبٍ،
                                                                            ضاقتْ بهِ معْ سُخطِكَ الأرْضُ الفضَا