لأخي الحب عبرة ما تجف - البحتري
لأخي الحُبّ عَبرَةٌ ما تَجِفُّ،
                                                                            وَغَرَامٌ يُدْوِي الحَشَا وَيَشُفُّ
                                                                    وَطَليحٍ مِنَ الوَداعِ تُعَنّيـ
                                                                            ـهِ نَوَى غُرْبَةٍ وَوَجْنَاءُ حَرْفُ
                                                                    وأنَاةٍ عَنْ كُلِّ شَيءٍ سِوَى البَيْـ
                                                                            ـنِ، وإلاّ بَينٌ، فصَدٌّ، وَصَدْفُ
                                                                    أُعطيَتْ بَسطَةً على النّاسِ، حتّى
                                                                            هيَ صِنْفٌ والنّاسُ في الحسنِ صِنفُ
                                                                    إعْتِدَالٌ يُميلُ منه انْخِنَاثٌ،
                                                                            وَيُثَنٍّ فيهِ الفَخَامَةَ لُطْفُ
                                                                    نِعْمَةُ الغُصْنِ، إنْ تَأوّدَ عِطْفٌ
                                                                            منه، عَنْ هَزّةٍ، تَمَاسَكَ عِطْفُ
                                                                    مُسكِرِي، إنْ سُقيتُ منهُ بعَيني،
                                                                            أُرْجَوَانٌ مِنْ خَمرِ خَدّيهِ صِرْفُ
                                                                    أِي وَسَعيِ الحَجِيجِ حين سَعَوا شِعْثاً
                                                                            ،وصَفِّ الحَجِيجِ ساعةَ صَفُّوا
                                                                    لَنْ يَنَالَ المَشيبُ حُظْوَةَ وِدٍّ
                                                                            حيثُ يَسجو لحظٌ وَيَحوَرُّ طَرْفُ
                                                                    وَغَرِيبٌ في الحبّ مَنْ لم يُصَاحِبْ
                                                                            وَرَقاً من جَنَى الشّبَابِ يَرِفُّ
                                                                    ناكَرَتْهُ الحَسنَاءُ أبْيَضَ بَضّاً،
                                                                            وَهَوَاهَا، لوْ كَانَ، أسوَدُ وَحْفُ
                                                                    يَهضِمُ الشَّيبَ أوْ يُرِي النّقصَ فيه
                                                                            أسَفٌ يَتْبَعُ الشّبابَ، وَلَهْفُ
                                                                    ثَقُلَتْ وَطْأةُ الزّمانِ على جَا
                                                                            نِبِ وَفْرِي، وأقسَمَتْ لا تَخِفّ
                                                                    وإذا رَاقَتِ المَطالبُ حُسْناً،
                                                                            فَسِوَايَ الدّاني إلَيْهَا المُسِفّ
                                                                    وإزَائِي مَطَالِبٌ، لَوْ تُؤَاتِـ
                                                                            ينيَ نَفْسٌ عَن مثْلِهِنّ تَعِفّ
                                                                    وَمَتى ارْتَدْتَ أينَ تَجعَلُ رِقّاً،
                                                                            فَلْيَنَلْ رِقَّكَ الأشَفُّ الأشَفّ
                                                                    لِبَني مَخْلَدٍ، عَلَى كلّ حيٍٍّ،
                                                                            أثَرٌ مِنْ عَطَائِهِمْ لَيسَ يَعْفُو
                                                                    مَجدُهمْ فَوْقَ مَجدِ مَنْ يَتَعَاطَى
                                                                            مَجدَهُمْ، والسّماءُ للأرْضِ سَقْفُ
                                                                    دِيَمٌ مِنْ سَحَابِ جُودٍ إذا اسْـ
                                                                            ـتُغْرغَ خِلفٌ منها تَدَفّقَ خِلفُ
                                                                    أعِيَالٌ لَهُمْ بَنُو الأرْضِ أمْ مَا
                                                                            لَهُمْ رَاتبٌ، على النّاسِ، وَقْفُ
                                                                    مُتَنَاسُونَ للذُّنوبِ إذا اسْتُسْـ
                                                                            ـرِفَ تفرِيطُ مَنْ يَزِلُّ وَيَهْفُو
                                                                    إنّمَا فُوّضَ التّخَيّرُ في الحُكْـ
                                                                            ـمِ إلَيْهِمْ ليَصْفَحوا، أوْ ليَعفُوا
                                                                    كَمْ سَرِيٍّ تَقَيّلَ السّرْوَ عَنهُمْ،
                                                                            واشتِبَاهُ الأخلاقِ عَدوَى وَإلْفُ
                                                                    كأبي الفَضْلِ حينَ يَتّسعُ الإفْـ
                                                                            ـضَالُ فيه في الطّالبينَ، وَيَضْفُو
                                                                    سَبِطٌ مِثْلُ عَامِلِ الرّمْحِ طالَ الـ
                                                                            ـقَوْمَ لَمّا التَفّوا عَلَيْهِ وَحَفُّوا
                                                                    لأَبٍ مُنْجِبٍ تَجَاذَبُهُ العُتْـ
                                                                            ـقُ، وفي السّائِمَاتِ عِيرٌ وَطِرْفُ
                                                                    رَغْبَةٌ للعُيُونِ إمّا تَبَدّى،
                                                                            طابَ عَرْفٌ منه وأُجزِلَ عُرْفُ
                                                                    شِيمَةٌ حُرّةٌ، وَظاهِرُ بِشْرٍ،
                                                                            رَاحَ مِنْ خَلْفِهِ السّماحُ يَشِفّ
                                                                    وأشَقُّ الأفِعَالِ أنْ تَهَبَ الأنْـ
                                                                            ـفُسُ ما أُغْلِقَتْ عَلَيْهِ الأكُفّ
                                                                    يَا أبَا الفَضْلِ حَمّلَتْكَ المَعالي
                                                                            عِبئَها ،والبَخِيلُ مِنْهُ مُخِفّ
                                                                    جَمَعَتْنَا، عَلَى طَوِيّةِ وِدٍّ،
                                                                            رَحِمٌ بَيْنَنَا تَحِنُّ، وَحِلْفُ
                                                                    شَهِدَ الخَرْجُ إذْ تَوَلّيْتَهُ أنّكَ
                                                                            في جَمْعِهِ الأمِينُ الأعَفّ
                                                                    حَيْثُ لا عِنْدَ مُجْتَبًى منه إلطا
                                                                            طٌ، وَلاَ في سِيَاقِ جابِيهِ عَنفُ
                                                                    سَيِّرةُ القَصْدَ، لا الخُشُونةُ عُنفٌ
                                                                            يَتَعَدّى المَدَى، وَلاَ اللّينُ ضُعفُ
                                                                    وَعَلَى حَالَتَيْكَ يَسْتَصْلِحُ الناسَْ
                                                                            إباءٌ من جانبَيْكَ، وَعَطْفُ
                                                                    لَنْ يُوَلّى تلْكَ الطَسَاسيجَ، إلاّ
                                                                            خَلَفٌ منكَ، آخرَ الدّهْرِ، خَلْفُ
                                                                    إنْ تَشَكّتْ رَعِيّةٌ سُوءَ قَبْضٍ
                                                                            بكَ أوْ أعقَبَ الوِلاَيَةَ صَرْفُ
                                                                    فَقَديماً تَداوَلَ العُسْرُ واليُسْـ
                                                                            ـرُ، وَكلُّ قذًى على الرّيحِ يَطفُو
                                                                    يَفْسُدُ الأمْرُ ثمّ يَصْلُحُ مِنْ قُرْ
                                                                            بٍ، وَللمَاءِ كُدْرَةٌ، ثمّ يَصْفُو
                                                                    ما مَشَى في هَنيءِ طَوْلِكَ تَطْوِيـ
                                                                            ـلٌ، وَلا دَبَّ في عُداتكَ خُلْفُ
                                                                    غَيرَ أُكْرُومَةٍ سَبَقْتَ إلَيْهَا
                                                                            صَحّ ْ نِصْفٌ فيها، وأخْدَجَ نِصْفُ
                                                                    ألِوَهْمٍ، أمْ كُلُّ إلْفَينِ، ما لمْ
                                                                            يُؤخَذا، عندَ مُبتَدا الوَعدِ، إلفُ
                                                                    وَفتى النّاسِ مَنْ إذا قالَ أوْفَى
                                                                            فِعْلَهُ، وَهْوَ للذي قالَ ضِعْفُ