رويدك إن شانك غير شاني - البحتري
رُوَيْدَكَ! إنّ شانَكَ غَيرُ شَاني،
                                                                            وَقَصرَكَ! لَستُ طاعةَ مَن نَهَاني
                                                                    فإنّكَ لَو رأيتَ كَثِيبَ رَمْلٍ
                                                                            يُجاذِبُ جانِبَاهُ قَضِيبَ بَان
                                                                    وَمُقْتَبَلَ المَلاَحَةِ، بِتُّ لَيْلي
                                                                            أُعَاني مِنْ هَوَاهُ ما أُعَاني
                                                                    عَذَرْتَ على التّصابي مَنْ تَصَابَى،
                                                                            وآثَرْتَ الغَوَايَةَ، في الغَوَاني
                                                                    وَكَمْ غَلّسْتُ مُدّلِجاً بصَحْبي
                                                                            على مُتَعَصْفِرِ النّاجُودِ، قانِ
                                                                    أُغَادِي أُرْجُوَانَ الرّاحِ صِرْفاً،
                                                                            على تُفّاحِ خَدٍّ أُرْجُوَاني
                                                                    إذا مَالَتْ يَدي بالكأسِ رُدّتْ
                                                                            بكَفِّ خَضِيبِ أطْرَافِ البَنَانِ
                                                                    تأمّلْ مِنْ خِلالِ السِّجْفِ فانظُرْ
                                                                            بعَيْنِكَ ما شرِبتُ وَمَنْ سَقَاني
                                                                    تجدْ شَمسَ الضحَى تَدنو بشَمسٍ
                                                                            إليّ، مِنَ الرّحيقِ الخُسْرُواني
                                                                    سُبُوتُ الإصْطِبَاحِ مُعَشِّقَاتٌ،
                                                                            وأحظَاهُنّ سَبْتُ المِهرَجَانِ
                                                                    أتَى يَهْدي الشّتَاءَ على اشْتِيَاقٍ
                                                                            إلَيْهِ، وَصَيِّبَ الدِّيَمِ الدّوَاني
                                                                    يُحَيِّينا بنَرْجِسِهِ، وَيُدْني
                                                                            مَكَانَ الوَرْدِ وَرْدِ الزّعْفَرَانِ
                                                                    وَمِنْ إكْرَامِهِ حَثُّ النّدَامى،
                                                                            وإعْجَالُ المَثَالِثِ والمَثَانِي
                                                                    بيُمْنِ خِلاَفَةِ المُعْتَزّ عادَتْ
                                                                            لَنَا حَقّاً أكاذيبُ الأَمَانِي
                                                                    يَسُحُّ عطَاؤُه فينا، فتُغْني
                                                                            عنِ القُلْبِ النّوَازِحِ، والسّوَاني
                                                                    أغَرُّ كَبَارِقِ الغَيثِ المُرَجّى،
                                                                            يُحَبَّبُ في الأبَاعِدِ والأدَاني
                                                                    تَخَاضَعَتِ الوُجُوهُ لحُسْنِ وَجْهٍ
                                                                            يَدُلُّ على خَلاَئِقِهِ الحِسَانِ
                                                                    وَعَايَنَتِ الرّعِيّةُ مِنْ قَرِيبٍ
                                                                            مَقَامَ مُوَفَّقٍ فيها، مُعَانِ
                                                                    اَرُدَّتْ بَهْجَةُ الدُّنْيَا إِلَيْهَا
                                                                            وعادَ كَعَهْدِهِ حُسْنُ الزَّمَانِ
                                                                    وأضْحَى المُلْكُ أزْهَرَ مُسْتَنِيراً
                                                                            بأزْهَرَ مِن بَنِي فِهْرٍ، هِجَانِ
                                                                    وَمَنْصُورٍ أُعِينَ على الأعَادِي
                                                                            بِكَرّ عَوَاقِبِ الحَرْبِ العَوَانِ
                                                                    لَقَدْ جَاءَ البَرِيدُ يَنِثُّ قَوْلاً
                                                                            شَهِيَّ اللّفظِ، مَفْهُومَ المَعَاني
                                                                    إذا الخَبَرُ استَخَفّكَ من بَعيدٍ،
                                                                            نَثَاهُ، فكَيفَ ظَنُّكَ بالعِيَانِ
                                                                    أُبِيد المَارِقُونَ، وَمَزّقَتْهُمْ
                                                                            سُيُوفُ الله مِنْ ثَاوٍ وَعَانِ
                                                                    وَقد شَرِقتْ جِبالُ الطّيبِ مِنهُمْ
                                                                            بِيَوْمٍ، مِثْلِ يَوْمِ النّهْرَوَانِ
                                                                    وَفَرّ الحَائِنُ المَغْرُورُ يَرْجُو
                                                                            أمَاناً، أيَّ سَاعَةِ مَا أمَانِ؟
                                                                    يَهَابُ الالْتِفَاتَ، وَقَدْ تأيّا
                                                                            لِلَفْتَةِ طَرْفِهِ طَرَفَ السّنَانِ
                                                                    تَبَرّأ مِنْ خِلاَفَتِهِ، وَوَلّى
                                                                            كأنّ العَبْدَ يَرْكُضُ في رِهَانِ
                                                                    وَمَا كَانَتْ رَعِيّتُهُ قَدِيماً،
                                                                            سِوَى خِلْطَينِ مِنْ مَعِزٍ وَضَانٍ
                                                                    أمِيرَ المُؤمِنِينَ عَمَرْتَ فِينَا،
                                                                            عَزِيزَ المُلْكِ، مَحرُوسَ المكانِ
                                                                    فإنّكَ أوّلٌ في كُلّ فَضْلٍ
                                                                            نُعَدّدُهُ، وَعَبْدُ الله ثَانِ