فسيفساء حواء - محمد الحارثي

التي ولَدَتْـنا
وتركتنا في رنين الصرخة.
التي قبل أن نولد
ضحكت وبكت.
التي نسيت الوصية
فطفقت تخصف عليها
من ألسنة النار.
التي شذّت
فاستبدّت
التي استقامت
فسادت
التي تنفست الأكسجين في الأعالي
(حيث المجد لهُ وحده)
النُّفساء التي تنفست الماء
والخمر
والحليب
والعسل.
الطافيةُ في النّهر
الغانيةُ في الجاهلية
اللعوب في الكنيسة
القديسة في الحَبَـب
التي في المسجد والعسجد
التي في المبغى والمعبد
التي بين شجرتين
التي في بئرين
التي بين نهدين
تجدل، في نسياننا، ماءً
وضفيرتين
التي تُنالُ ولا تُطال
الصامتةُ عندما تُقال
التي عنا تمضي
ثم إلينا تعود.
التي ببنطلون جينز ضيق
في الحديقة الخلفية للجنة
سرقت من الملائكة نظراتهم
وما غضِب الله.
حوّاءُ البدء
حوّاءُ البادية
حوّاءُ الأفعى
حوّاءُ نيويورك
حوّاءُ الكتابِ
حوّاءُ سومطرة
حوّاءُ الصليل
حوّاءُ المقصلة
حوّاءُ بانغ كاو
حوّاءُ كازابلانكا
أم قابيل وهابيل
زوجة آدم في الجنة
وعشيقتُهُ في الجحيم
أم ريشة الهنود الحُمر
وأم سرغون الثاني
أم بوذا وتوت عنخ آمون
أم موسى وعيسى ومحمد
أم الصعلوكِ
والشجرة
أم الرضيع والمسلّح والأدرد
أم المليونير ينسى أمّه
أم الطاغية والباغية
أم الكلوشار في الأندرغراوند يعزف
غيتاراً بين كاميرا اليمين وكاميرا اليسار
(بالضبط، حيث لا تراهُ العدستان)
زوجةُ آدم في الجنّة
وعشيقته في الجحيم.
التي من ضلعهِ
وفيما بعد، من مَنيِّه.
الصليبُ المصلوب في صُلبه.
الترابُ الصقيل في ترائبه.
التي في الشق والوتد
التي في الإبرة والمِغزل
التي
في الغزالةِ
ت ~ ر ~ كُ ~ ضُ
وفي السهم تسهو
التي في القوس دائراً حول
فكرة القميص.
التي في القميص، بلا فكرة دائرة.
التي في الكبرياء تبكي
وفي الذّلِّ تضّاحك
التي تتسوّق في هارودز
وتعرى في تمبكتو..
التي في القلم في الدمعة على جفن الواحة في الدفتر في محطة البنزين تحت النخلة في المطبخ على الساحل في بار نيغرسكو في المتحف البريطاني حول الرائحة في الظلِّ تحت الشمس قرب رسائل الحُب في الشمس تحت قوس النصر فوق طابع البريد تلوّحُ بالراية من الشرفة وتلحس الآيس
حواءُ الذكر
وحواء الأنثى
المانكان والمكنة
الغريقة وحبلُ الإنقاذ
العين والشفة
القُبلة واللعاب
اللوحةُ والصورة الفوتوغرافية
مارلين مُونرو والجيوكندا
مريمُ العذراء ومومس بانكوك
تتبادلان الريشةَ والعدسة
الموناليزا وغريتا غاربو
تتبادلان الحائط الأبيض
الليدي دي والسيدة فيروز
(معاً، ولا تتبادلان شيئاً).
الرفيقةُ في الحياةِ والممات
في الجمجمةِ والموديل
(رفيقةُ أراغون وعُمر بن أبي ربيعة)
رفيقتنا على الشاشة
إن فاضت القُبلة في الظلام ببياض المنِيّ
الذي
لكثرتهِ تبيضُّ الشاشةُ
وتمضي مادونا إلى الظلام.
رفيقتنا
رفيقتنا
في النضال والسرير والسريرة
في حطين وبدر وواترلو
في راية العلمين
في ربيع براغ
في خريف تشي
في شتاء سايغون
في تموز بغداد
وهافانا فيدل.
حواء البيت وحواء الحقل
حواء الديناصور وحواء ال G.S.M
حواء القنينة وحواء الشمعة
حواء البورصة وحواء الخادمة
حواء الصلعاء وحواء ال CITY BANK
حواء الرومانس مُنسلاًّ من
شرشف قصيدته
حواء الأكذوبة العذبة
العذبة تلك الأكذوبة
العذبة تلك..
العذبة حتى
حتى لو كنا..
لو كنا نعرف
نتمنى
ونتمنى
ألاّ نعرف.
التي نهديها الذهب
فتعيد سِلال الفضة إلى المناجم
التي ننساها في الفحم
فتبعثها العنقاء
التي تنسانا،
فلا تطل من الشرفة
التي تتذكرنا أحياناً فترمي الوردة حمراء
شرفة صديقتها
حتى لو كانت وحيدةً
في فيلم بلاك آند وايت.
القرصانةُ والمقروصةُ في الخاصرة.
البرجُ والبئر في غفلةٍ عن
الهواء المزدوج.
الجبل والبحر غريبان عن فِطرة النهر
عندما يتزوج.
الساحةُ مليئةً بها، مهما
تكاثر الرجال حول الجمر.
النار والرماد
النهر والنهروان
المتاهةُ والدليل
العاصفةُ بعد المَيل
والهدوء، وحيداً يشربُ ماء النيّة
بعد العاصفة.
الطفلةُ في الطفو
العجوز في التجاعيد
وفي الحكمة إذ تحتكم
إلى النوم.
القبلةُ والقابلة
الآنسةُ والسيدة
السيدةُ والأنس
العانسُ، أحياناً
والثيّبُ وهي العروس.
العذراء في الصِّفة
المنحوتةُ في ألم الإزميل
الفراشةُ والحنينُ إلى فِراشٍ
حتى لو كنا فيه معها، وعرايا
اللقيطةُ والحُرّة
القلادة والأيقونة
اليقين والشك
العلبةُ والمثلث
الببغاء والغيبوبة
الماء الحرام والخمرة الحلال
الأسدُ الباكي في الشجاعة
البقرةُ الضاحكةُ في الجبن
حليبُ النيدو وضرع الناقة
زوجةُ الهند وجوزةُ الهند
ذات المئزر والجلاّبة
ذات المايوه والعباية
الناهيةُ الآمرة
القاهرةُ المقهورة
مدبرةُ الإنقلابات
غاضّةُ الطرف عن النتائج
عندما تعوي ونستلذ في السرير
عندما تعوي..
لنعيد الكرّة
لنستدرج الحربَ إلى الوطيس
لنشمّ رائحة الدم
دمِها القليل في الوغى
دمها الأقل على شرشف السرير
دمها النادر بعد قفل الهزيمة
ومفتاح النصر
دمها المنتصر، وحدهُ، بعد كلّ حرب.