الغبيراء - محمد الحارثي

مِنْ جِبالِ السحرِ والتقوى..
منَ الغيمةِ والمسحاةِ بين الحبر والكُراسْ
منَ الأسطورة المثلومة الينبوعِ والنبراسْ
من الطينِ الذي في البيتْ
والبئرِ التي في الماء
من الرملِ الذي في لحظةٍ
سواهُ تمثالاً..
على ظهر حصانٍ جاءْ
يستعيدُ الفكرةَ البارقةَ الغرقى
وتحت النخلةِ الوثقى
يُـواري دمعَ ذاك الماءْ
المسدَّسُ المصنوع في بروكسل عام 1314 هجرية لم يخدش دماً في نومه. كان يتثاءبُ في المرايا الكالحةِ بصورة الطاووس ويحلمُ بمنظارٍ يسهو في عين غزالةٍ تَرفُـو تلال الأزل. يسمعُ صياحَ الديكة، ثُغاء الماعز وحَفيف الأوراق الناعسةِ في خنجر الصورة.
لم يُصدقهُ الرُّواةُ الذين قمطوا بالليمون اليابس هواجسه، ولم تُكذبهُ دشاديش البحارة ومثلثاتُ الأشرعة. فالإمامُ لم يسافر إلى مُـمباسة، ولم يستورد من عبق الهند سوى بوابات الحصن. ورغم أنهُ سمح للنسوةِ بوضعِ كُريّـات الأفيـون في آذان الرُّضَّـع، إلا أنهُ لم ي
لم يُخبروهُ أن الغَـلَّـة، بعد أن اصفرَّ الفَلَـجُ بالطاعون، لم تعد غَـلَّةً. وعندما تفقد الحصنَ بعد المبايعة لم يذكروا لهُ أن سجن النساء كان تحت مربط الحصان. لذلك أضحى في بطن السـريرةِ سِبطَ الله، وباتوا في غَـافِ السهلِ أصهار البارود. فالحصانُ الذي كان
كان في البيت وحيداً
حين نُـودي:
نامْ
يستعيدُ الفكرةَ البارقةَ الغرقى
وتحت النخلةِ الوثقى
يُـواري شمسَ ذاك العامْ.
كانت السدرة - المُـنتهى
في الجوار..
النسوةُ المستدقاتُ في الحقل واللون. حقلُ الجراد. قصيدةُ مدح الأثيرةِ في بؤبؤ القلب. سقفُ الجذوع الذي بعدُ ما انهار. أخبارُ من عاد من زنجبار. التداوي بعُشبةِ ريّـا. البريقُ الذي هَـلَّ في قمر الطفلِ. ظِلُّ العصافير في عُـصفُر الظلِّ. وشمُ المُـغـيَّبِ. شيخ
أغنيةَ الـدَّارْ.
بَيرقُ الحصنِ
أبيضهُ الـحُـرُّ..
أيامُهُ المدلهماتُ
أيامُهُ
جَـدُّه المتخشبُ
في مدمع الجص
جَـدٌ
وذكراهُ ذكراه
نخلتهُ
قُربَ مجرى الفَـلجْ
نسيمُ الضحى..
والسماءُ التي خلق اللهُ
زرقتها وحديقتها
مفاتيحُ أسلافهِ
والبُـويبُ الذي ما رَتَـجْ.
- أماتَ الخليليُّ في سجنهِ؟
- لا
- وعيسى بنُ صالحَ؟
- لا
- ومن ضمَّد الجرح؟
- لا أحدٌ ضلّعَ الكُوَّةَ المستديرةَ في الكُوت
- وابنُ حِـميَرَ في عرشه؟..
- يُحاولُ مُلكاً وكأسَ نبيذ
- ومُستودعُ الفحمِ في ساحلِ الجِـصَّـةِ امتازهُ
المسـيو أوتافي لصالح باريس؟
- لا. فقد عارضَ اللوردْ كيرزنْ، ولكنهُ حين
فاوضَ كان يفاوض باللغة العربيةِ.
صمغُ الوثيقةِ باللغة العربية. والشـاهدان:
الخليلُ بن أحمدَ
واللغةُ العربيةُ
فصحى قليلاً على ساحلٍ
كان بالحبرِ والبندقية أفـصَـحْ
- وعَـزَّان؟
- عِـزٌّ وعِـزان (من يذكرُ الآن؟)
نورُ التُّـقى أم بضائعُ ميناء مطـرحْ
- وتلك العمامةُ بيضاء لما تـدُم؟
- والقصيدة أيضاً..
ودولتهُ. والبطانة صفراء. ساحرُ بهلا الضريرُ. البراءةُ من ذا وذاك. الذخيرةُ في ثعلبِ البئر. تلك العصا. الأنبياء. الشياطين.
(من قال آمين؟)
أورِدةٌ في الدشاديش عطشى؟
غُرابٌ يُمزقُ أكفان جمجمةٍ
في الغبار تُبسـمِلُ؟
أحذيةٌ لم تزل حَيّـةً في جُلود الجِمال؟
محاولةٌ للعبور بحرفٍ من الأبجدية
ما بين مـاسورتين لـ "صَـمعا وصمـعا"؟..
أم كهوفُ الجبالِ التي سحرت
عنق الدربِ؟
……………
……….
دربٌ يطولُ
وآهٍ يطولُ
ومن قال في لحظةٍ تستديرُ
على عقبيها..
لأكثرَ من ذلك الماءِ والزادِ
يـطمحْ؟
من قال:
البرجُ سليلُ الفراسة
الجبلُ مرصادُ الأثر
البئر غيمةُ القافلة
الريحُ وَشَـقُ السريرة
الرُّوزنَـةُ مثلبةُ الجدار
الخيمةُ أنثى البدويّ
والرمل/النمل
النمل/الرمل
فاكهةُ الشعراء.
ومن قال:
أن الليلَ
ليلٌ في مسقطَ والمعلقات السبع
وأن نونيّـةَ أبي مُسـلم
لم تكن في المعنى
معنية بالعُمانيين
وأن الأبراج خزاناتٌ
لحفظ سلالات الأحقاد
وأن الغازَ مُسيلٌ
للدموع والدولارات
وأن حصنَ جبـرين
أُضـلولةٌ منحوتةٌ
في الضاد
وأن جَبل الفحل
ناقلةٌ معطوبة
تركها البرتغاليون
لتسلية مصفاة النفط
وأن البُـسورَ والعُـشور
ترادفٌ لفظي لا أكثر
وأن خلفان بن ثنـيَّان
لم يكن قاطع طريق في الرّسـتاق
ولا صيادَ وعولٍ في الانترنت
وأن مسدس الماغنوم
لم يكن أفعلَ التفضيل
عندما وضع حداً
لحروب الغافرية والهناوية.
لكنَ المُـغني في الهواء المشقوق بين
مفتاح وقُـفل لم يكن
أفـعلَ التفضيل في روايةٍ أخرى..
ولم يكن بدشداشته البيضاء
في حديقةٍ سوريالية
يبتاعُ العبيد والقرنفل ونهايات
ذلك القرن.
كان وحيد المَـقيلِ في بيته الطين
يذرو رياح الساعة الرملية
ونبوءة البخور، عازفاً عن
قُبلةِ خنسـائه وعشائه الأخير
باسمـاً في مـانشيت الجريدة
وفضَّة التليفزيون، أكثر مما ينبغي
لوجه قتيلٍ في دم اللحظة تلك
أكثر مما ينبـغي لوجه قتيلٍ:
يستعيدُ الفكرةَ البارقةَ
الغرقى
وتحت النخلة الوُثقى
يُواري الروحَ والمعنى
الذي استعصى
على عُصفورةِ التأويـل.