فما ماءُ مُزْنٍ بات جَفْنَ سحابة ٍ - الشريف المرتضى
فما ماءُ مُزْنٍ بات جَفْنَ سحابة ٍ
يصوبُ على أعلى الصُّخور ويسفحُ
توزَّعَهُ عَبْرُ الرُّبا فكأنَّهُ
مُلاءٌ رحيضٌ بالفَلاة ِ مُطرَّحُ
وإنْ صافحتهُ الرّيحُ وهي ضعيفة ٌ
تمرُّ عليه قلتَ: صُحْفٌ تُصَفَّحُ
بأعذبَ من فيها إذا ما توسّنتْ
وهبَّتْ وجلدُ اللَّيلِ بالصُّبحِ يوضِحُ
وما روضة ٌ باتَ الخُزامى يحفّها
ونَوْرُ الأقاحي وسْطَها يتفسّحُ
كأنّ بمغناها تُفَضُّ لَطيمة ٌ
مُجَعْجِعَة ٌ أو مَنْدَلُ الهند ينفحُ
بأطيبَ مِنْ أردانها حينَ أقبلتْ
وغصنُ النَّقا في دِرْعها يترنَّحُ
وما مُغزِلٌ أَضحتْ بدوٍّ صَريمة ً
تفسّح في تلك الفيافي وتسرحُ
تَفيءُ إلى ظلِّ الكِناسِ وتارة ً
تَشَوَّفُ من أعلى الهضابِ وتسنحُ
بأحسنَ منها يومَ قامتْ فودَّعتْ
قُبَيلَ التَّنائي والمدامعُ تنزحُ
وما وِردُ مطرودٍ عن الوردِ خامسٍ
وما هزَّهُ الدَّوحِ المُبِنِّ بقَفْرة ٍ
تُسقّى الهيامُ حولَهُ وهو ظامئٌ
فلا الورْدُ يُدنيهِ ولاهو يبرحُ
بأروى وأشهى من رُضابٍ تمُجُّهُ
ثنايا عِذابٌ من ثناياكِ تَمْتَحُ
وما نوحُ قُمْرِيٍّ على فرعِ أيكة ٍ
يَمُنُّ له ذكرُ الفراقِ فيصدحُ
له مدمعُ "الشاكي" جفوناً وقلبُهُ
بما جرّه فقدُ الأليفِ مُقَرّحُ
بأشجى شجى ً مني غداة َ ذكرتُكمُ
ووادي مِنًى بالعيسِ والقومِ يطفحُ
وماهزة ُ الدَّوحِ المُبِنِّ بقفرة ٍ
تُزعزعُ منه الرِّيحُ ما يتسمَّحُ
إذا انتشرتْ فيهِ الشّمالُ عشية ً
رأيتَ حَماماً فوقهُ يترجحُ
بأظهَرَ منّي هزّة ً يومَ أقبلتْ
تشكّى الهوى وحْياً به لا تُصّرِّحُ
تعاورها خوفُ النّوى والعِدى معاً
فلاهيَ تَطويهِ ولاهيَ تُفصحُ
وما مُنْيَة ٌ سِيقَتْ إلى كَلِفٍ بها
مُقيمٍ على تَطْلابِها ليس يبرحُ
إذا لامَهُ اللاحون فيها طَما بهِ
إلى نَيلها شوقٌ لَجوجٌ مُبرِّحُ
بأشهَى وأحلَى من لقائِك مَوهِنًا
وألحاظُ مَنْ يَبْغي النَّميمة َ نُزَّحُ
وما مُقْفَقِلُّ الكفِّ شَحْطٌ عن النَّدى
له راحة ٌ من ضَنّة ٍ لا تَرَشَّحُ
أتاهُ الغِنَى من بَعْدِ يأْسٍ وكَبْرَة ٍ
فليس بشيءٍ خِيفة َ الفَقْرِ يسمحُ
بأبخلَ منِّي يومَ ساروا بنظرة ٍ
إليكِ وأحداقُ الرِّفاق تُلَمِّحُ
حلفتُ بربّ الراقصاتِ عشيّة َ
إلى عَرفاتٍ وهي حَسْرى ورُزَّحُ
ومَنْ ضَمَّهُ جَمْعٌ وبينَ بلادِهمْ
إذا اقتربوا سَهْبٌ عريضٌ مطوِّحُ
وبالبُدنِ تُهدى في منى ً لمليكها
وتُدنى إلى أخرى الجمالُ فتُذبحُ
لأنتِ على رُغمِ العدوِّ من الّذي
يُضئُ سوادَ الليلِ أبهى وأملحُ
ونجواكِ تَشفي السُّقمَ طَوراً وتارة ً
يُعَلُّ بنجواكِ السَّليمُ المُصَحِّحُ
وأنتِ وإنْ أوقدتِ في القلبِ جمرة ً
تَلَظى على كَرِّ الليالي وتَلْفَحُ
أعزُّ عليهِ مَوضعًا من سوادِهِ
وأعذبُ فيهِ منْ مُناهُ وأرْوَحُ