الزائرة - محمد حسن علوان

تعالي اجلسي ها هنا.. أنبيك أخباري
جار الزمان على لحني.. وأوتاري

في شقّتي تفزع الأشباح سيدتي
فما خطت قبلكِ امرأة.. إلى داري

إني أعيش هنا وحدي.. فلا أحدٌ
يقوى على وحشتي وأنين أفكاري

الزائرون أتوا دوماً.. وما رجعوا
لا شيء في شقتي يغري بتكرارِ

كأنني سقفها.. والعنكبوت به
يحيك مثل مسافاتي.. ومشواري

أهلي إذا حضروا.. سالت دموعهمُ
يوصون بي خادمي.. يوصون بي جاري

لا شيء إلا فراغ اليأس سيدتي
فسامحي ضعفها.. وأثاثها العاري

في كل ركنٍ هنا.. لي نصف ذاكرةٍ
بعض الرجال يعيش بنصف تذكارِ

في الليل أمطر أوجاعاً.. وأوبئةً
إذا أتى الليل سوف ترين أمطاري

دخَّنتُ حتى احترقتُ.. ولم تزل رئتي
مبهوتةً بمدى الدخّان.. والنارِ

لو كان همي أنا رجلاً يواجهني
أنشبت في وجهه المجدور أظفاري

لو كنتُ أقوى على زمني.. أغيره
مللتُ في كرِّه.. من سخف أدواري

قفي على الجرح.. لا تقفي على جسدي
جسدي أنا كله جرحٌ.. بلا ثارِ

حلمتُ بالمجد.. حتى انهرتُ سيدتي
إذا يئستِ من الأمجاد.. فانهاري

قد يحرق الحلم يوماً قلب صاحبه
أسفاً.. فلا تحلمي.. إلا بمقدارِ!

***

هاكِ اقرأي كتبي.. ما زلتُ محتفظاً
بما كتبتُ.. وما ضيَّعتُ أفكاري

فيها تركتُ بقايا الحبر.. دافئةً
ما غيّر الحزن لو تدرين أطواري

ما زال خطّي صغيراً.. ليس تقرأه
عيناكِ إلا بتركيزٍ.. وتكرارِ

أجرُّه فوق أوراقي.. بلا أملٍ
فيستحي أن يطيش أمام إصراري

ما زلت أظلم حرفي .. لا أنقّطه
وأترك السطر يبكي تحت أشعاري

ما زلت أفتح جرحي دون ما خجلٍ
لا يقرأ الناس إلا الدفتر العاري

عندي الكتابة.. نقشٌ فوق أوردتي
حفرٌ على جانبي وجهي.. بمسمارِ

إذا كتبتُ تركتُ الغاب مشتعلاً
وسارت النار في عشبي وأشجاري

استدرج القمر الساهي.. واتبعه
حتى أعود به من ضمن أقماري

لولا بكاء العنادل تحت نافذتي
أحرقت ملحمتي.. وكسرت مزماري

ماذا أخذتُ من الكلمات سيدتي
ما أورثتني حروفي غير أصفارِ!

لم تُبق لي امرأةً.. لم تُبق لي أملاً
ليت القوافي تساوي ربع دينارِ

هذا أن تملأ الأدراج قافيتي
وليس في الأفق أشرعةٌ ولا صاري

لمن أعيش حياتي.. دون خارطةٍ
هل ظلّ في البحر متسعٌ لبحَّارِ؟

هاكِ اقرأي كتبي.. من ذا سيقرأها
لا شيء إلا البقايا.. بعد إعصارِ!

***

تعالي اجلسي هاهنا.. أحتاج عاصمةً
مللتُ من طول ترحالي وأسفاري

بعض النساء يعيد رمادنا.. لهباً
وبعضهن يهدُّ كيان جبّارِ!

إني بحثتُ عن الأنثى فما وقعت
عينايَ إلا على جمرٍ.. بلا نارِ

الدهر يأكل من عمري.. وفاتنتي
مازلتُ أنقشها في حائط الغارِ

رَحَلَتْ كما يرحل النوَّار في عجلٍ
ما عدتُ أسمع عنها أي أخبارِ

لو كنتُ أقدر.. لو أيّارُ أمهلني
ما لي أنا حيلةٌ في وجه أيّارِ

لو مدّني الله في عينيكِ سيدتي
أخذتُ ممن أسالت دمعتي.. ثاري

لا يسحق المرأة الأولى.. سوى آخرى
قد ينسخ الله أسفاراً.. بأسفارِ

تعالي اجلسي ها هنا.. أحتاج لامرأةٍ
مِمَّن يبدِّلن أقداراً.. بأقدارِ!

أحتاجها تقلب الدنيا.. تحضِّرني
فقد مللتُ طبول البدو.. والزارِ!

أحتاجها تطرح المأساة عن قلمي
وتطرد الحزن يوماً خلف أسواري

أبكي على صدرها.. كم قبلها دمعة
ضيعتها هدراً في عتمة البارِ

إني حلمتُ بها والليل يجرفني
إلى شفا جَرَفٍ .. متصدعٍ.. هارِ

مازال في الصمت أصداءٌ لذاكرةٍ
يبتزُّها اليأس سراً.. بعد أسرارِ

تعالي اجلسي ها هنا.. فلرب زائرةٍ
جاءت بلا موعدٍ .. ومضت بلا عارِ !