ما كان أشقاه - محمد حسن فقي
يال قُيودي من قُيودٍ ثِقالْ
أَرْسُفُ منها في لُغُوبٍ شديدْ!
كأَنَّني أَحْمِلُ منها الجِبالْ
ولَيْسَ لي عن حَمْلِها مِن مَحِيدْ..!
***
كأَنَّني أَحْمِلُ منها الرِّثاءْ
لعالَمٍ يَشْقى بما يَصْنَعُ..!
ما كانَ أَحْرَاهُ بِصُنْعِ الهَناءْ
فالرَّوْضُ لا يَفْضُلُه البَلْقعُ..!
***
قُلتُ لِنَفْسي وهي تّذْرِي الدُّمُوعْ
وما تَرى في جَنبِها مِن رَفِيقْ..!
تَبَصَّري في كلِّ هذي الرُّبوعْ
أَثَمَّ فيها غَيْرُ هذا الطَّريقْ؟!
***
هذا الطَّريقُ الوعر ما يَسْتَوِي
عليه.. رَغْمَ الدّجْنِ يَلْوي المَسِيرْ!
إلاَّ الذي غامَرَ ما يَنْتَوِي
إلاَّ التَّسامي. وشُموخَ المَصِيرْ!
***
ما أَرْهَبَ الدَّرْبَ على أنَّه
درب-وإنْ أَظْلَمَ– دَرْبٌ قَوِيمْ!
مَشى به قَوْمٌ فَأَلْفَيْنَهُ
يُفْضي –وإنْ أَضْنى– بهم للنَّعِيمْ!
***
سَلَكْتُهُ والنَّاسُ حَوْلي تَرى
أنِّي عَمِيٌّ.. وهُمُ المُبْصِرون!
يا لَيْتَني أَرْقى لِشُمِّ الذُّرى
به.. ولّوْ كانَ شَمُوساً حَرُون!
***
أُحِسُّ في غَوْرِ ضَمِيري هَوىً
إلى نَقاءٍ من ضروب السَّوادْ!
كانتْ رُكاماً من أَثامٍ ثَوى
به. فأشْقَتْني وخِفْتُ المَعادْ!
***
قامَ صِراعٌ بَيْنَنا عاصِفٌ
ما بَيْن نَصْرٍ وانْهِزام مُخِيفْ!
أَنا به مُنْطَلِقٌ.. راسِفٌ
وَطِربٌ حِيناً. وحِيناً أسيفْ!
***
وقُلْتُ. هل أَغْدو بهذا الصِّراعْ
شلْواً.. وإلاَ فأَنا الظَّافِرُ!
هذا مَصِيري.. وَيْلَ صَرْعى النَِزاعْ
من حُفْرَةٍ يَثْوِي بها الخاسِرُ!
***
وقُلْتُ.. يا رُبَّتَما خاسِرٍ..
.. أَحْظَى من الرَّابِحِ في بَعْضِ حينْ!
إنْ كان لا يَيْأَس من حاضِرٍ
يَنالُ منه الرِّبْحَ. رِبْحَ اليَقينْ!
***
فَرُبَّ رِبْحٍ كان فيه الطَّوى
لِلرُّوح. والتخمَةُ للهَيْكَلِ
ومَا أَرَى فِيه لِمثْلِي اعتلاءْ
.. بَلَ إنّه المُفْضِي إلى الأَسْفَلِ
فَلَيْس رِبْحُ الأرْضِ مِثْلَ السَّماءْ
وليْسَتِ البُومةُ كالأَجْدَلِ!
***
مَنْ أنا يا نَفْسي. لقد هالني
مما أُقاسِيهِ شُواظُ اللَّهيبُ!
لَشَدَّ ما يَقْسُو الذي نالَني
من حَيْرةٍ تَدْفَعُني لِلْقَلِيبْ!
***
فهل أَنا وَحْدِي الَّذي أَنْتَهي
دُونَ سِوائِي لِلْعماءِ الرَّهِيبْ؟!
أَعْرِفُ ما يَنْفَعُ.. ما أَشْنَهِي
وأَنْثَنِي عنه إلى ما يُرِيبْ!
***
يالَ قضاءِ القادِرِ العاجزِ
مِن يَوْمِهِ.. من غّدِهِ المُلْتَوى!
فَليْس بالرِّاضي ولا النَّاشِز
وليس إلا الواهِمَ المُكْتَوى!
***
هل ثمَّ في الدُّنيا كهذا الجوى
يُذِيبُ مَن لم يحْتَفِلْ بالهوى؟!
ما ذاقَه لُقْيا.. وذاقَ النَّوى
فما اهْتَدى يَوْماً.. ولكنْ غوى!
***
أَحْسَبُني لُغْزاً فما يَهْتَدي
لِحَلِّه بَرُّ ولا فاجِرُ.. ..!
أَوَّلُه يَسْدُرُ في غَيْهَبٍ
وما لَهُ في مَشْمِسٍ آخِرُ..!
***
فهل له في مُلْهِمٍ يَسْتَوِي
بِفِكْرِهِ فَوْقَ مَسارِ النُّجومْ؟!
يَشْفِي الفُؤادَ اللاغب المُنطوِي
على كُلُومٍ فَتَّحَتْها السُّمومْ!
***
لو أَنّني أَلْقاهُ أَعْطَيْتُهُ..
.. نَصْفَ حَياتي. وهو شِعْرٌ هَزِيلْ!
وإنْ أَبى الصَّفْقَة أَغْرَيْنُه
بها جميعاً. فهي حَمْلٌ ثَقِيلٌ!
***
رُبَّ حياةٍ أصْبَحَتْ نِقْمَةً
على الذي عانى بها شِقوَتَيْنْ!
عانى بها نَبْذَ الهوى مَرَّةً
والغَيِّ أُخْرى فَهوى مَرَّتَيْنْ!