سَقَانِي الْحُبُّ كَاسَاتِ الْوِصَالِ - عبد القادر الجيلاني

سَقَانِي الْحُبُّ كَاسَاتِ الْوِصَالِ
فَقُلْتُ لِخَمْرَتِي نَحْوِي تَعَالِي

سَعتْ وَمَشَتْ لِنحْوِى فِي كُئُوسٍ
فَهِمْتُ بِسَكْرَتِي بَيْنَ الْمَوَالِي

وَقُلْتُ لِسَائِرِ الأَقْطَابِ لُمُّوا
بِحَانِي وَادْخُلُوا أَنْتُمْ رِجَالِي

وَهِيمُوا وَاشْرَبُوا أَنْتُمْ جُنودِي
فَسَاقِي الْقَوْمِ بِالْوَافِي مَلاَلِي

شَرِبْتُمْ فَضْلَتِي مِنْ بَعْدِ سُكْرِي
وَلاَ نِلْتُمْ عُلُوِّي وَاتِّصَالِي

مَقَامُكُمُ الْعُلا جَمْعَاً وَلَكِنْ
مَقَامِي فَوْقَكُمْ مَا زَالَ عَالِي

أَنَا في حَضْرَةِ التَّقْرِيبِ وَحْدِي
يُصَرِّفُنِي وَحَسْبِي ذُو الْجَلاَلِ

أَنَا الْبَازِيُّ أَشْهَبُ كُلِّ شيْخٍ
وَمَنْ ذَا فِي الرجال أُعْطَي مِثَالِي

دَرَسْتُ الْعِلْمَ حَتَّى صِرْتُ قُطْباً
وَنِلْتُ السَّعْدَ مِنْ مَوْلَى الْمَوَالِي

كَسَانِي خِلْعَةً بِطِرَازِ عِزٍّ
وَتَوَّجَنِي بِتِيجَانِ الْكَمَالِ

وَأَطْلَعَنِي عَلَى سِرٍّ قَدِيمٍ
وَقَلَّدَنِي وَأَعْطَانِي سُؤالِي

وَوَلاَّنِي عَلَى الأَقْطَابِ جَمْعاً
فَحُكْمِي نَافِذٌ فِي كُلِّ عَالِي

فَلَوْ أَلْقَيْتُ سِرِّي وَسْطَ نَارٍ
لَذَابَتْ وَانْطفَتْ مِنْ سِرِّ حَالِي

وَلَوْ أَلْقَيْتُ سِرِّي فَوْقَ مَيْتٍ
لَقَامَ بِقُدْرَةِ الْمَوْلَى سَعَى لِي

وَلَوْ أَلْقَيْتُ سِرِّي فِي جِبَالٍ
لَدُكْتُ وَاختَفَتْ بَيْنَ الرِّمَالِ

وَلَوْ أَلقْيتُ سِرِّي فِي بِحَارٍ
لَصَارَ الْكُلُّ غَوْراً فِي الزَّوَالِ

وَمَا مِنْهَا شُهُورٌ أَوْ دُهُورٌ
تَمُرُّ وَتَنْقَضِي إِلاَّ أَتَى لِي

وَتُخْبِرُنِي بِمَأ يَجْرِي وَيأْتِي
وَتُعْلِمُنِي فَأُقْصِرُ عَنْ جِدَالِي

بِلاَدُ اللَّهِ مُلْكِي تَحْتَ حُكْمِي
وَوَقْتِي قَبْلَ قَبْلِي قَدْ صَفا لِي

طُبُولِي فِي السَّمَا والأَرْضِ دَقَّتْ
وَشَاءُوسُ السَّعَادَةِ قَدْ بَدَا لِي

أَنَا الجِيلانِي مُحْيى الدِّينِ إِسْمِي
وَأَعْلاَمِي عَلَى رُؤْسِ الْجبَالِ

أَنَا الحَسَنِيُّ وَالْمخْدَعْ مَقَامِي
وَأَقْدَامِي عَلى عُنُقِ الرِّجَالِ

رِجَالٌ خَيَّمُوا فِي حَيِّ لَيْلى
وَنَالُوا فِي الْهَوَى أَقْصَى مَنَالِ

رِجَالٌ فِي النَّهارِ لُيُوثُ غَابٍ
وَرُهْبَانٌ إِذَا جَنَّ اللَّيَالِي

رِجَالٌ فِي هَوَاجِرِهِمُ صِيَامٌ
وَصَوْتُ عَوِيلِهِمْ فِي اللَّيْلِ عَالِي

رِجَالٌ فِي النَّهارِ لُيُوثُ غَابٍ
وَرُهْبَانٌ إذَا جَنَّ اللَّيَالِي

رِجَالٌ سَائِحُونَ بِكُلِّ وَادٍ
وَفِي الْغَابَاتِ فِي طَلَبِ الْوِصَال

أَلا يَا لِلْرِجَالِ صِلُوا مُحِبّاً
لِنَار الْبُعْدِ وَالهِجْرَانِ صَالِ

أَلاَ يَا لِلْرِجَالِ قُتِلْتُ ظُلْماً
بِلَحْظٍ قَدْ حَكَى رَشْقَ النِّبَالِ

أَلاَ يَا لِلرِجَالِ خُذُوا بِثَأْرِي
فَإِنِّي شَيْخُكُمْ قُطْبُ الْكَمَالِ

أَنَا شَيْخُ الْمَشَايخِ حُزْتُ عِلْماً
بآدابٍ وَحِلْمٍ وَاتْصِالِ

فَمَنْ فِي أَولَياءِ اللهِ مِثْلِي
وَمَنْ فِي الْحُكْمِ وَالْتَصْرِيفِ خَالِي

تَرَى الدُّنْيَا جَمِيعَاً وَسْطَ كُفِّي
كَخَرْدَلَةٍ عَلى حُكْمِ النَّوالِ

مُرِيدِي لاَ تَخَفْ وَشْياً فَإِنِّي
عَزُومٌ قَاتِلٌ عِنْدَ الْقِتال

مُرِيدِي لاَ تَخَفْ فاللَّهُ رَبِّي
حَبَانِي رِفْعَةً نِلْتُ الْمَعَالي

مُريدِي هِمْ وَطِبْ وَاشْطَحْ وَغَنِّي
وَافْعَلْ مَا تَشَا فَالإسْمُ عَالِي

وَكُلُّ فَتَىً عَلَى قَدَمٍ وَإِنِّي
عَلَى قَدَمِ النَّبِي بَدْرِ الْكَمَالِ

عَلَيْهِ صَلاَةُ رَبِّي كُلَّ وَقْتٍ
كَتَعْدَادِ الرِّمَالِ مَعَ الْجبَالِ