هل الوجد الا أن تلوح خيامها - علي بن محمد التهامي

هل الوجد الا أن تلوح خيامها
فيقضى بإهداء السلام ذمامها

وقفت بها أبكي وترزم ناقتي
وتصهل أفراسي ويدعو حمامها

ولو بكت الورق الحمائم شجوها
بعيني محا أطواقهن انسجامها

وفي كبدي أستغفر الله غلة
إلى بردٍ يثني عليه لثامها

وبرد رضاب سلسل غير أنه
إذا شربتهُ النفس زاد هيامها

فيا عجباً من غلَّة كلما ارتوت
من السلسبيل العذب زاد اضطرامها

كأن بُعيد النوم في رشفاتها
سلاف رحيق رق منها مدامها

ويعبق ريَّاها وأنفاسها معاً
كنافجة قد فضَّ عنها ختامها

ولم أنسها يوم التقى در دمعها
ودر الثنايا فذّها وتؤامها

وقد بسمت عن ثغرها فكأنهُ
قلائد در في العقيق انتظامها

وقد نثرت در الكلام بعتبها
ولذّ بسمعي عتبها وملامها

فلم أدر أيُّ الدر أنفس قيمة
أأدمعها أم ثغرها أم كلامها

وقد سفرت عن وجهها فكأنهُ
تحسر عن شمس النهار جهامها

ومن حيث مادارت بطلعتها يرى
لاشراقها في الحسن نور أمامها

فألقت عصاها في رياض كأنها
تشق عن المسك الفتيق كمامها

وضاحكها نور الأقاحي فراقني
تبسمه رأد الضحى وابتسامها

نظرت ولي عينان عين ترقرقت
ففاضت وأخرى حار فيها جمامها

فلم أرَ عيباً غير سقم جفونها
وصحة أجفان الحسان سقامها

خليليَّ هل يأتي مع الطيف نحوها
سلامي كما يأتي إليَّ سلامها

ألمت بنا في ليلة مكفهرَّة
فما سفرت حتى تجلَّى ظلامها

أتت موهناً والليل أسود فاحم
طويل حكاه فرعها وقوامها

فأبصر مني الطيف نفساً أبية ً
تيقظها من عفة ٍ ومنامها

إذا كان حظي أين حل خيالها
فسيان عندي نأيها ومقامها

وهل نافعي أن تجمع الدار بيننا
بكل مكان وهي صعب مرامها

أسيدتي رفقاً بمهجة عاشق
يعذبها بالبعد عنك غرامها

لك الخير جودي بالجمال فإنه
سحابة صيف لا يرجّى دوامها

وما الحسن إلا دولة فاصنعي بها
يداً قبل أن تمضي ويغبر ذامها

أرى النفس تستحلي الهوى وهو حتفها
بعيشك هل لنفس حمامها

وعيس أذابت نيتي جل نيها
فرحليَ من بعد السنام سنامها

تسارع بالبيداء خوصاً كأنها
قسي ولكنَّ الرجال سهامها

فلو حزمت من ضميرها بخزامها
لجالت على أوساطهن خزامها

جنبنا إليها كل عوجا كأنما
يناط على أعلى الرماح لجامها

كأني في البيداء بيت قصيدة
تناشدني غيطانها وأكامها

إلى أن لثمنا كف حسان إنها
أمان من الفقر المضر التثامها

فلما استلمنا راحة ابن مفرِّج
تدفق بالجود الصريح غمامها

هو الملك يبلي بسطهُ قبل وقتها
سجود ملوك فوقها وقيامها

وإن قبّلت منهُ ركاباً وراحة
فقد فاز بالحظ الجزيل سهامها

إذا عاينته من بعيد ترجلّت
فإن هي لم تفعل ترجل هامها

تصادم تيجان الملوك ببابه
ويكثرُ في يوم السّلام ازدحامها

نمتهُ إلى أعلى المراتب عُصبة ٌ
يسوّد من قبل البلوغ غُلامها

هي الأسد إلا أنها تبذُلُ القرى
لطارقها والأسد يُحمى طعامها

إذا ما استهلّ الطفلُ منهم تهللت
وجوهُ المعالي واستهلّ ركامها

وإن فطموا أطفالهم بعد بُرهة ٍ
فعن درّها لا عن عُلاها فطامها

جلادٌ على مُرّ الجلاد إذا ارتمت
كلام الأعادي بالدما وكلامها

غلائلها أدراعها وسماعُها
صليل المواضي والدماء مدامها

تظلّ المنايا حيث ظلّت سيوفها
وتُمسي العطايا حيث أمست خيامُها

فما السعدُ كلُّ السعد إلا عطاؤها
وما النحسُ كل النحس إلا انتقامها

وأكثر ما فيها من العيب أنها
تُروِّع بالضيف المنيخ سوامها

ألا إنّ طياًللمكارم كعبة ٌ
وحسانُ منها ركنُها ومقامها

بناصر دين الله أيّد نصرها
وجاز على كلّ الملوك احتكامها

بعيدٌ مداه ليس تألفُ كفُّهُ
من المكرمات الغرّ إلا جسامها

ولو أنّ للانواء جودَ يمينهِ
لجادت بآمال النفوسِ رهامها

ولو أن للأقمار ضوء جبينه
لما زال عنها نورها وتمامها

وليس بمشغول البنان عن الندى
إذا شغل الكف اليمينَ حسامها

سجية نفس للمكارم همها
وشمة نفس للمعالي اهتمامها

إذا اسودت الحربُ استضاءت بسيفه
من الضّرب أو ينجابُ عنه قتامها

لدى فازة ٍ للنّقع أوتادُ مثلها
عتاق المذاكي والرماح دعامها

تظل كعوبُ الرمح فيها رواكعاً
إلى كلِّ قلبٍ والسّنان إمامها

تُحكم في قُصرى الضّلوع قصارها
وتمرقُ في صمّ العظام عظامها

فمن زردٍ فوق العوالي كأنها
خواتمُ أودى في البنان التحامها

ومن زردٍ قد طار أنصافه كما
تطاير عن أعلى البنان قُلامها

إذا طلعت راياتهُ لعُداته
فليس عجيباً فلها وانهزامها

لقد علقت قحطانُ منك أبا الندى
بعروة مجدٍ لا يُخافُ انفصامها

وكانت سيوفاً دثراً فشحذتها
فطيّر ماضيها الطُّلى وكهامها

فإن كابدت جدباً فأنت ريبعها
وإن باشرت حرباً فأنت حُسامها

بذكر الذي أوليتَ كان افتخارها
وفضل الذي أوليتَ كان كرامها

قليل لك الأرضون ملكاً وأهلها
عبيداً فهل مستكثر لك شامها

فسر وافتح الدنيا فأنَّ ملوكها
بها وبهم نقصٌ وأنت تمامها

ألا إنّ أوصاف الأمير جواهرٌ
وإن مديحي سلكها ونظامها

وقد بلغت نفسي إليك فإن يكن
لها في الغنى حظّ فذا العامُ عامها