لنفسكِ لم لا عذر قد نفدَ العذرُ - علي بن محمد التهامي

لنفسكِ لم لا عذر قد نفدَ العذرُ
بذا حكم المقدور إذ قُضي الأمرُ

لقد لفظتني كلُّ أرضٍ وبلدة ٍ
وما لفظتني عن مواطنها مصرُ

لعمري لقد طوَّفت في طلب العلى
وحالفني برٌّ وحالفني بحرُ

فشرَّقت حتى لم أجد ليَ مشرقاً
وغرّبتُ حتى قيل هذا هو الخضر

أرومُ جسيماتِ الأمور وإنما
قصاراي أن أبقى إذا بقي الدهر

ولو كنت أرضى بالكثير وجدتهُ
ولكنَّ في نفسي أموراً لهاأمرُ

ظللت بمصر في السجون مخلداً
وإني لسيفٌ جفنهُ فوقهُ ستر

فقدت أخلائي الذين عهدتهم
وجانبني من كان لي عنده وفرُ

وأعظم ما بي يا محمدُ أننا
بأرض وفيها بينا البعد والهجرُ

ومالي من ذنب إليك اجترمتهُ
فقل لي مع الإخوان غيَّرك الدهر

تأمل أبا عبد الإله مقالتي
فإن الصديق الحر يعتبهُ الحر

أتذكر إذ كنا لدى الدهر رتَّعاً
ومصرٌ وأرض الشام إذ عيشنا نضر

فمالك تجفوني مع الدهر إذ عتا
أكل زمان عيشه هكذا مرُّ

فلا سائلٌ عني فأعذر صاحباً
ولا لك في ترك السؤال بنا عذر

فإن أحرم الإخوان والزَّور منهم
فإني امرؤٌ من شيمتي في الأسى الصبر

عتبتك عتب الذاكر الودَّ إذ غدا
أسيراً ومحبوساً وقد ناله ضرُّ

فلو كنتُ في أسر الزمان أقالني
ولكنني في أسر قوم بهم كبرُ

إذا جنني ليلي وهاجت بلابلي
وعاودني همي تجدد لي فكر

عليلٌ وما دائي سوى الضّيم منهمُ
فهل من دواءٍ إذ مدى الغاية القبر

فلو أبصرت عيناك ما بي من الأسى
بكيت بماينضي به الأبل السفر

على أنني لا أستكين لنكبة ٍ
ولا واضعٌ جنبي وإن مسني فقر

جنيت على نفسي بسعيي إليهمُ
وحظّيَ من أوفى مواثيقهم غدر

وماليَ من ذنبٍ سوى الشّعر إنني
لأعلم أن الذنب في نكبتي الشعر

لعل الليالي منصفات أخا نوى ً
بأحشائه من فرط حسرته جمر

أسير لدى قوم بغير جناية
ألا في سبيل الله ما صنعَ الدهر

لقد ضاقت الدنيا عليّ كأنها
لما قدَّر الرحمنُ في مقلتي فتر

وفي النّفس حاجاتٌ ودون مرامها
قيودٌ وحرّاس لهم حولنا زجر

فكن سائلاً عني فإنيَ هالك
وما لهُم عندي على حالة ٍ وتر

حذرتُ زماناً ثم أوقعني القضا
وهل حذرٌ يُنجي إذا نفد العمر

وأنت أخي في كلّ حال وإنما
عتبتك هذا العتب إذ نفث الصدر

أكل غريب هكذا هو هالك
بمصر ولم يشفع لهُ شافع حرّ

فلو أنني في بلدة غير هذه
إذاً لفداني المال والأسل السمر

وما نالني ضيمٌ ولا لان جانبي
ولا نالني ضرّ ولا مسّني عسرُ

أبيت لها يقظان بين وساوسٍ
أراعي نجوم الليل ما طلع الفجرُ

إذا كان نفسي من أجلّ ذخيرتي
وأتلفتها لم يبق لي بعدها ذخر

فإن عشت أبديت الذي في ضمائري
وإن متّ إن الملتقى لهو الحشر