نهج الغربة - نبيلة الخطيب

بحثاً عن قبَسٍ
قشّرْتُ لحائي
كوّرَني القرّ على غسَقي
جاستْ أكوامَ الليل المتراكم
عينايْ..
كان الوادي
يقضمني من قدميّ
والقِمّة تشربُ رأسي
وشعاعٌ تعكسُه مرآةٌ
في واجهة ظلال الروحْ
يتوغّلُ فيّ
شارفتُ على القمّةِ
لكنّ الطورَ المتماثلَ
للوادي انهالَ عليّ
واستنزفَ منّي
كلّ بقايايْ
حينَ ركنتُ إلى الطرَف الغربيّ
الممتدّ إلى أقصى
نهج الغربةِ
ختمَ على قلبي التغريبُ
“غريب”
فتداعتْ في رأسي الغربانْ
كنتُ عصرتُ دمي
وسقيتُ ال … تركوني وحدي
متكئاً بين يدي وجعي
وتيَمّمْتُ بوهج الآهِ
المسفوحةِ في كبدي
يا يوسُف…
أدرَكَني قِشْبُ العمرِ
فخذ بيدي
ماذا لو جاع الذئبُ
ولا حول ولا قوّة بين يدي؟
ماذا لو تاهت قافلةُ السَيّارة
أو هاجمني ظمَأ
وأنا مغمورٌ في الماء؟
ماذا لو أنكرَني أهلي
وأبي ابيَضّتْ عيناه عليّ؟
يوسُف…
يا وجعي الممتدّ
إلى ظُلُمات البئر
حينَ نما عُشبُ الصدر
وغدَوتَ نبيّ الدَهشة
أمّتْ مَرْعاكَ الحُمُرُ الوحشيّة
فهُرعْتُ إلى مرعايْ
سَيّجتُ اللهبَ المتأججَ في ظمئي
أسكتّ أنيني
وكسرتُ النايْ
كيفَ إذن صارَ السجنُ
وسوطُ السّجانِ
ووحشة أيامي
عشقاً لامرأةٍ تجحدُني
وحياتي مَهر؟
يا يوسف…
أرتُقُ نفسي
في كلّ بشارة فجر
فتشقّ جروحي
في وضَح براءة روحي
لو كنتُ أريدُ الحنطة
لقصدتُ الحقلَ
المائجة سنابلُه
كخصور الغيدْ
أو كنتُ قطفتُ
من السَبَل المتوَهج بالأعراسِ
ولو خصلة عيدْ
أو نقّرْتُ الحُبّ كقبّرةٍ
مالت عنها أعمدة الضوء
فأغراها فنّ التغريدْ
كل الأطيار تغني
للفرح العابق بالخضرة
لكنْ قبّرَتي
انتبذتْ عُشاً
فوق أثير الحَيْرة
حين تطارحُه الريحْ
تُلقي عن كاهلها فيه
إشارات الوهم والاستفهامْ
فتُسَعّر في زَغَب القشّ الغافي
ألسنةَ الغَيرة… وتنامْ
يا يوسُف…
هذا وقْعُ العمر على العمرْ
فأنا في الجهة الأخرى لزمانٍ
باتت فيه الكِلْمة
تخلعُ ثوب المعنى
شاهدتُ حروفاً
تَسّاقطُ من خاصرة المعجم
حين سألتُ لسانَ اللغةِ
امتقعتْ موسيقى النبرةِ
واستعجَم..
واختلطتْ كل الأشياءْ
فالموتُ حياة
والحيّ على الأغلب مَيْتْ
والعاقلُ يتحَلى بين العُقّال
بنصف جنونْ
والضعفُ سلام
والحبّ مُجونْ
والصبر المُتجمّلُ يأس
والجبروت الظالم بأسْ
لكأني بالإنسانْ
يسقط مُذ صرخته الأولى
فلهذا سَمّوا
وطن الميلاد الأول
مسقط رأس.
1998م