يا دار غزّة - نبيلة الخطيب

يا دارَ غزة أقوتْ نخوةُ العَرَبِ
مَن ضَيّقوا الأرضَ في ميدانها الرحِبِ

لو كان في الحيّ مَن تشتدّ غضبتُه..
لكنهم مُوّتوا من سالف الحِقَبِ

فكيف تهنأ للغافين نومتُهم؟
وكيف تهتزّ فيهم نشوةُ الطرَبِ؟

أدري بأنّ كلامَ الشعر ليس يفي
في فورة الدمِ ما يطغى على اللهبِ

لكنّها زفرةٌ لو كُتّمَتْ قَتَلتْ
وليس في بوحها التفريجُ للكُرَبِ

ما بالُ غزة والأطفالُ بيدَرُها؟
كأنّ كل رضيعٍ مرسلٌ ونبي

أم أنهم صِبْيَةٌ إن خُلّفوا هَدَموا
مُلكَ الفراعنةِ المذكور في الكتب؟

هل كان موسى سوى طفلٍ أحاطَ به
يمّ فراحَ يشق الحَجْبَ للحُجُبِ؟

فرعونُ كان رحيماً عندما قتلَتْ
يداهُ عاماً وخلّى القتلَ في العقِبِ

وكان هتلرُ نبراسا ومدرسةً
سِرْتم على نهجه حَرْقاً فلم يَغِبِ

تُرى أتمَّ رضيعُ الليل رضعتَه؟
أم طاف حُلمٌ على الأجفان والهُدُبِ؟

فإن وهبتم هدايا الموت في غسَقٍ
فلتجعلوها بلا نارٍ ولا لَجَبِ

لا توقظوهُ لعلّ الفجرَ يُدركُه
قبل انطمار بقايا المهد في التُرَبِ

لا تفرحوا فلئن ناحت مُثَكّلةٌ
واسترجعتْ، فعليكم شرّ مُنقلَبِ

تُراكَ عُدتَ غداةَ القتل مُنتشياً؟
إلى بنيكَ تُناغي ناعمَ الزغَبِ

أوثِقْ قِماطَ الذي في المهد واهدِ لهُ
وعداً توَلاهُ بالتعقيب والطلبِ

ألمْ يسؤكَ إذِ اغتلتَ البراءة أنْ
تُدعى بلثغته – وهو البرئُ- "أبي"؟

لقد مددتَ له كفاً مُلطَخةً
بها وَشمْتَ على تاريخه الخَرِبِ

فقل له قد زرعتُ اليومَ سُنبلةً
من ألف حقدٍ غداً تجنيه فارتقِبِ

أما ادّكَرْتُم هباء العِجلِ مُحترقاً؟
بوءوا إذن بجحيمٍ ساجر اللهبِ

هذي البلادُ لنا حتى وإن غُصٍبَتْ
فالحُرّةُ الحقّ لا تعنو لمُغتصِبِ

حتى حجارتُها من قلبها قفزتْ
تهوي عليكم بنيرانٍ كما الشُهبِ

وقد كسرتم عصا موسى فليس لكم
في هَوْجة البحر مِن شَقّ ولا سَرَبِ

فإنّ لله عيناً ليس غافلةٌ
وإنّ للحق وعداً ليس ذي كذبِ.